منى عباس فضل *أثار تصريح وزير العمل البحريني أخيراً لمحطتي «بي بي سي» و«الجزيرة» ردود فعل متباينة، إذ قال إنه ليس في البحرين قانون ينص على كفالة العامل الأجنبي، وإن الأمر لا يعدو أن يكون عرفاً درج عليه الناس، وإن وزارته اعتمدت إلغاء الكفالة منعاً للتمييز بين العامل البحريني والأجنبي، واقتراباً من نصوص المواثيق والعهود الدولية التي غالباً ما تنتقد دول الخليج «لاستعبادها» العمالة الأجنبية.
كما أشار الوزير إلى أن أصحاب الأعمال أيدوا هذا التوجه. بيد أن بعضهم رد قائلاً إن الوزارة لم تجرِ حواراً معهم بشأن مباشرة تنفيذ القرار. ومن ثم، أصدرت «غرفة تجارة وصناعة البحرين» التي تمثلهم بياناً أبدت فيه قلقها من العواقب التي ستمس مصالح القطاع، وتعرضه إلى إشكاليات وأضرار كما ستسبب التباسات في سوق العمل لن تحقق التوازن المنشود بين أصحاب العمل والعمال. وحذر البيان من أن عملية الانتقال التي تجري بدون ضوابط وشروط، ستجعل من العامل الوافد رقماً صعباً، لأنه سيملي شروطه من حيث الأجر والمزايا، مما يزيد من المنافسة بينه وبين العامل الوطني. وعليه، دعت إلى إعادة النظر في القرار واقترحت ألا يجري الانتقال إلى صاحب العمل الآخر إلا بعد مضي سنة واحدة من التحاقه بالعمل وبموجب إشعار انتقال مدته ثلاثة شهور.
بالطبع جاء ردّ «هيئة تنظيم سوق العمل» سريعاً، بأنها طبّقت السياسات بالتدريج، وبعد التشاور مع الجهات المعنية، وقد جرت بعض التعديلات المقترحة، بيد أنه لا يمكن الأخذ بما يتعارض مع روح القانون. ومعلوم أن نظام الكفالة أُقرّ عبر المادة (25) من القانون الرقم (19) لسنة 2006 الخاص بتنظيم سوق العمل. ويجيز هذا القانون للعامل الأجنبي الانتقال إلى صاحب عمل آخر من دون أخذ موافقة المنشأة التي يعمل فيها، وذلك دون الإخلال بالحقوق المقررة لصاحب العمل بموجب أحكام القانون.
ثمة مسؤولون في وزارات عمل خليجية أبدوا قلقهم وتوجسهم من الخطوة التي اتخذتها البحرين لإلغاء نظام الكفالة، ولا سيما أن بعضها يحصل على إيرادات تقدر بملايين الدولارات من رسوم استقدام وتأشيرات وإقامة وتصاريح عمل وغيرها، ما حداها للدعوة إلى إضفاء المرونة على أنظمة الكفالة والإقامة، والتريث حيال انعكاسات قرار الإلغاء السلبية على أوضاع الأسواق المحلية في ظل تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية. وذلك لا ينفي اعتراف غالبيتهم بوجود نواقص قانونية وحمائية للعمالة الأجنبية، وتجاوزت ظاهرة ابتزاز واستعباد بسبب تجارة «الفيزا الحرة» وما تسببه من معاناة وظلم واستلاب للعامل الأجنبي.
وستواجه الجهات الرسمية في المنطقة تحديات ثمار القرار البحريني السجالي. ستكون تحديات جوهرية تتعلق بتحديد سقف عدد العمال الأجانب وضبط آليات سوق العمل وتوازنها بما يحقق مصالح أطراف الإنتاج الثلاثة، وخصوصاً أن سمعة دول الخليج، وليس البحرين فقط، على المحك الدولي؛ فقضية العمالة المهاجرة تتصدر أجندة الفعاليات الدولية والوطنية، لا سيما أنها مركبة وخطيرة، حيث تعتمد دول الخليج عليها وعلى مساهمتها في مشاريع التنمية. أغلب تلك العمالة الوافدة عربية، أو أجنبية من بنغلاديش والهند وباكستان والفلبين وسريلانكا... حيث تستفيد اقتصاديات بلدانهم الأم من تحويلاتهم، بل يعتمد البعض عليها. فحسب البنك الدولي، يتراوح حجم التحويلات في بعضها من 5% إلى 20% من إجمالي الناتج الوطني، مما يجعل منها آلية حماية غير رسمية هامة، وخصوصاً في البلدان التي تفتقر إلى أنظمة الضمان الاجتماعي.
صحيح أنّ العمال المهاجرين يكتسبون أثناء عملهم خبرات ومهارات، إلا أن الصحيح أيضاً هو تعرضهم إلى الاستغلال والابتزاز والظروف المعيشية الصعبة المفتقرة لأسس الحماية والضمانات، مما يضع الدول التي يعملون فيها وأوطانهم الأصيلة في مواجهة تحديات جسيمة، لا سيما في ما يتعلق بحماية حقوقهم الإنسانية والمهنية، وخصوصاً أن سبب هجرتهم أصلاً يعود لعدم حصولهم على فرص عمل في بلدانهم، إضافة إلى وجود شواغر عمل لا يرغب المواطن الخليجي عامة العمل فيها لأسباب عديدة، منها تدني أجورها وسوء ظروف العمل فيها أو النظرة الدونية تجاه قيمتها المهنية، مما يعظّم من حركة العمالة العابرة للحدود باتجاه منطقة الخليج.
وفي الواقع، وبرغم اعتراف المنظمات الدولية بحق الدول في اعتماد سياساتها الوطنية لإدارة هجرة الأيدي العاملة، إلا أنه من المهم التذكير دوماً بالمساوئ والانتهاكات التي يتعرض لها العمال الأجانب، كما حدث من تسريحات للعمالة الوافدة العاملة في قطاعات التشييد والبناء والعقارات والخدمات المالية جراء الأزمة الاقتصادية في بعض دول الخليج، ما دعا جهات دولية عدة «كمنظمة العمل الدولية» إلى القيام بإجراءات تخفف من حدة هذه الأوضاع.
وقبل ذلك، وفي عام 2005، اعتمد «مكتب العمل الدولي» إطاراً متعدد الأطراف لمعالجة ظاهرة العمالة المهاجرة، واستند في ذلك إلى مبادئ وإرشادات غير ملزمة لحفظ حقوق هذه العمالة، كما راعى ظروف سوق العمل واعترف بالحق السيادي للدول في وضع سياساتها الخاصة في مجال الهجرة والإجراءات المتعلقة بتطبيق معايير العمل الدولية.
في الوقت نفسه، أقر بالدور الأساسي للشركاء الاجتماعيين، وبعملية الحوار مع الحكومات وأصحاب العمل والعمال. من تلك المبادئ تناول مشاكل العمالة المهاجرة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، فضلاً عن إتاحة حزمة من المبادئ العامة والإرشادات والخيارات العملية القائمة على الصكوك الدولية، وتناول الموضوعات المتعلقة بالعمل اللائق للجميع وما يتسم به من حرية ومساواة وأمن وكرامة إنسانية، وحق العمال باختيار عملهم بحرية والاعتراف بحقوقهم وحصولهم على دخل يلبي احتياجاتهم الأساسية ويفي بمسؤولياتهم لتوفير الحماية الاجتماعية لهم ولأفراد أسرهم.
ويجعل هذا الأمر من قضية العمالة الوافدة هاجساً متحركاً ومثيراً للسجالات في إطار «إصلاحات سوق العمل البحريني». ففي البحرين (كما في دول منطقة الخليج) تمثل العمالة الأجنبية قوة أساسية في سوق العمل، إذ تبلغ حسب نشرة المصرف المركزي لشهر كانون الأول / ديسمبر 2008 (349,015 عاملاً أجنبياً) في القطاع الخاص وبنسبة (81%)، مقابل (81,867 عاملاً بحرينياً)، بينما بلغت في القطاع الحكومي (5002 عامل أجنبي) بنسبة (12.4%)، مقابل (35,204 عمال بحرينيين). وهنا، يشار إلى غياب إحصاءات تبين أعدادهم في وزارتي الداخلية والدفاع، وعدد عمالة الخدمة المنزلية وتصنيفاتها، إذ يخمن البعض أن الأخيرة تتراوح بين (60ـــــ70 ألف عامل وعاملة أجنبية). وقد درج قطاع أصحاب الأعمال البحريني على مطالبة الحكومة بمساندتهم عبر إجراءات وقوانين حماية تساهم في تحريك آليات السوق وتحافظ على مصالح القطاع. يفيد بعض المحللين بأن هذا القطاع وقف بشراسة ضد إجراءات تخفف من فوضى تجارة التأشيرات والعمالة السائبة والبطالة وانخفاض الأجور، إلى جانب رفضه تحديد نسبة للعمالة البحرينية وفرض رسوم العمل، وأخيراً وليس آخراً، احتجاجه على ما اعتبره تسرعاً في إلغاء نظام الكفيل.
الحادث مناسبة لاختبار القدرة الفعلية لدول الخليج على تطبيق المعايير الدولية بشأن قانون «الاتجار بالبشر» واحترامهم لتلك المعايير في إدارة العمال المهاجرين وإلغاء كفالتهم وحجز جوازات سفرهم وانعتاقهم من حال الاستعباد التي يعيشون فيها. فعلاً تحدٍ حقيقي!
* باحثة بحرينية