تحولت لعبة Texas Holdem Poker الموجودة على موقع الفايسبوك، من لعبةٍ افتراضية، إلى سوقٍ واقعية، تباع وتشترى فيها الأموال الوهمية بأخرى حقيقية. استتبع ذلك إدمان الكثيرين من الشبان والمراهقين، وحتى الأطفال، لمقامرة يدركون عواقبها، لكنهم يعجزون عن التخلص من سطوتها
محمد محسن
خلعت حنان قميصها. رقصت عاريةً أمام الكاميرا لمدة ربع ساعة، مقابل خمسين مليون دولار. وصل المبلغ إلى حسابها، فعادت لتجرّب حظّها على طاولة البوكر الخضراء. هذا ليس مشهداً من أحد كازينوات لاس فيغاس، بل من أحد المنازل المتواضعة في بيروت. الكاميرا التي رقصت حنان أمام عدستها، موصولة بالحاسوب. أمّا المبلغ الذي دفعه إبراهيم، مقابل العرض الإباحي، فلا يملك منه شيئاً، سوى الأرقام المرسومة على الشاشة. المال والرقص العاري افتراضيان. أشبعت رغبته الجنسية، وأشبع إدمانها لعب البوكر.
تحوّلت البوكر بقوانينها الافتراضية إلى سوقٍ سوداء أو حتى إلى عملٍ دائم للبعض، وخصوصاً على مستوى تجارة الأرصدة. أدمنها شبّان كثيرون، وبدأت تحتل نهارهم وليلهم، حتى تناسوا أنّ كل ما يجري في اللعبة افتراضي، إلا الأموال الحقيقية التي تتكبّدها جيوبهم، مقابل حساباتٍ افتراضية، أو سلوكيات المقامر الجاهز للقيام بأي شيء يُطلَب منه، درءاً للخسارة التي يتخبط بها. يشترون مليون دولار وهمياً بدولارين حقيقيّين. لا يقف صرف الأموال عند هذا الحد، إذ من المستحيل أن يقبل البائع صفقةً دون عشرين مليون دولار، ما يعني تكبّد المقامرين الافتراضيين مبالغ طائلة، لا تقوى مداخيلهم على سدّها، ما يدفع بعضهم للاستدانة.
في مقاهي الإنترنت، لن تجد صعوبةً في العثور على مدمني القمار، وباعة حساباته والمشترين الكثر. كيف لا؟ والإدمان بلغ درجة، غابت معها «ثوابت» كبرامج الدردشة، لتحلّ مكانها غرف البوكر الافتراضية. غرف تشبه تلك الموجودة في الكازينوات، بفارقٍ وحيد، هو غياب معايير الدخول إليها، كحيازة كشف حسابٍ بخمسين ألف دولارٍ على الأقل، وارتداء ثيابٍ رسمية. يكفي أن تؤكد مشاركتك عبر اسمك في الفايسبوك، في مباريات البوكر، لتصبح لاعباً متمرّساً.
هذا ما دفع كامل إلى دخول غمار اللعبة. لم يعلم الشاب العشريني أنّ فضوله للتشبّه بروّاد الكازينو الأثرياء سيتحوّل إدماناً للقمار، لدرجةٍ يستبيح فيها ست ساعاتٍ من يومه. «مرض وإدمان يشبهان التدخين والمخدرات»، هكذا يصف كامل حاله مع القمار الافتراضي. ينفي رغبته ترك اللعبة، على الرغم من أنها «تكلّفني شي 200 دولار بالشهر، بشتريهن من شاب صاحبنا». كغيره من لاعبي القمار، تتفاوت انفعالات كامل تبعاً لتغيّر حظوظ الربح والخسارة على الطاولة. تنتفخ عيناه من الغضب حين يخسر، ويحدث الشيء نفسه حين يربح، لكن مع ابتسامة. تمتد دورة الربح والخسارة مع كامل، حتى «طلوع الضو» كما يقول. منذ ثمانية أشهر، هي تاريخ بداية إدمانه اللعبة، توقف عن مشاهدة الدوري الإسباني، لتقاطع أوقات المباريات مع سهرات البوكر التي لا «أستطيع تركها. عن جد». يبقى ترك متابعة الدوري الإسباني، أهون على المقامر من ترك الحبيبة في لحظة خسارة، تلتها بعد شهرين خسارة أقسى، حين رسب عادل في امتحاناته الجامعية بسبب التهائه بالبوكر. بالنسبة إلى ابن الأعوام العشرين، تستحوذ اللعبة على غالبية وقته، وخصوصاً أنّه يعمل في مقهىً للإنترنت «والجو شوفة عينك بيساعد عالإدمان». لا يطيل عادل الحديث. يأتي بمصاريف الأموال الوهمية التي يشتريها من راتبه، أمّا جامعته فـ«الدورة الثانية جايي». يؤكد أن من يلعب البوكر الافتراضية من دون أن يدمنها «بطل وجبار»، أمّا هو فليس كذلك، و«طول ما معي مصاري رح ضل إلعب».


التجّار: «لسنا مرشدين روحيّين»

يؤكد أحد تجار الأموال الافتراضية، الذي رفض الكشف عن اسمه قائلاً: «لست مرشداً روحياً، وإذا ما بعت أنا، غيري ببيع». يحدّثك عن أستاذٍ جامعي، يدفع له يومياً 50 دولاراً لقاء تلقيم رصيده. فزبائنه متنوّعون، بفضل تجارٍ صغار يعملون تحت إمرته، مهمّتهم «نكش» الزبون، وعقد الاتفاق الشفهي معه على الأسعار، قبل أن ينالوا حصتهم. يشير إلى زبائن «دسمين» كبعض الطلاب الميسورين من اللبنانيين والأجانب، ممن «يشترون مليون دولار وهمياً، بعشرين دولار حقيقية». يستخدم عدّة طرقٍ لتجميع الأموال، منها التواطؤ مع زملائه من التجار عبر كشف الأوراق أمام بعضهم، أو اعتماد ضربات الحظ، بينما يتفقون على تقسيم الأحياء في ما بينهم، حيث يمنع على أي منهم استقطاب زبائن الآخر.