دخلت طونيا إلى المقهى. قبّلت جميع أصدقائها و«جلست والدمع في عينيها». سألها أحد الحاضرين: «خير، شو في؟». لم تجب. فتابع بعد فترة صمت: «حدا بو شي؟ إنتِ صاير معِك شي؟». لم تُجب أيضاً، إلا أنها أشارت إلى إبهام اليد اليسرى ذات اللون الكحلي. يئست طونيا من المحاولات المستمرة لمعالجة الحبر الخاص بالمقترعين. مرّ أسبوع ولا يزال إبهامها ملطّخاً. ليس شكل أو لون إصبعها ما أحبطها، بل تجسّد خوفها بفكرة واحدة: «لن أستطيع المشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية العام المقبل». ولشدّة تأثّرها، أجهشت بالبكاء. فوصل النادل حاملاً علبة «كلينكس» مطبوعاً عليها بإحكام شعار المقهى ورقم الهاتف والفاكس وغيرها من المعلومات.لم يفهم الموجودون هذه الحالة، فبادر كل منهم إلى تطييب خاطر طونيا وتهدئتها. وبين جهشة وأخرى، كانت تنتحب وتقول: «وين بروح بطموحي؟ وين بروح بمستقبلي؟ وين؟»، مع ما يكفي من نغمات نبرات الغمّ والهمّ. كان أكثر ما يزعجها هو ضرب طموحَيْ التغيير والإصلاح، اللذَين يعتريانها منذ 2005. فبعدما بُحّ صوتها نتيجة الصراخ والنقاشات والتظاهرات طوال هذه السنوات، جاء أحد رؤساء الأقلام في المتن وشدّد على ضرورة غمس الإصبع جيّداً في الحبر وقضى على هذا الحلم.
ذهبت طونيا إلى أبعد من ذلك: «هيدي مؤامرة علينا، بدّن يطيّرونا، هيدي زعبرة، بدّن يخسّرونا». وراحت تصف كيف أصرّ رئيس قلم الاقتراع على ضرورة غمس الإصبع...
أصرّت طونيا بدورها على أنّ حبر الانتخابات بدعة وجدت خصيصاً لضرب التغيير ومنع الإصلاح، وقرّرت رفع دعوى بهذا الخصوص.
«ولونو كحلي كمان»، عندها «دبّت» طونيا «الوْليه» وراحت تفكّر في شيء آخر: ماذا يمكن أن تلبس لتنسّق الألوان بين ثيابها وإصبعها.
(يمكن إضافة هذه الحادثة إلى مجموع الطعون التي ستقدّمها قوى الأقلية، ما دام المطلوب فقط القول: «صار في زعبرة بالمتن». لكن حقيقة الأمر أنه «صار في حمرنة بالمتن»، والقول مأخوذ من مسرحية لبنانية عُرضت في الـ90’s).
نادر...