سمية عليتخرج بعض الذكريات منّي فأحملها بيدي وأدفنها تحت التراب. أمرّ عليها بين الحين والآخر وأضع وردة. أغرس أصابعي بالأرض حدّ الألم. أريد أن تحيا تلك الذكريات وتعود من جديد. ذات مساء، عبَر طيفٌ جميل جدران غرفتي ثم خرج من النافذة في ليلة ماطرة. يخرج وجهك من كل كتاب ويتردد صوتك في كل أغنية. أنت موطني الذي خرجت منه طوعاً، فهواؤك ملوّث يشعرني بالاختناق وأرضك عقيمة لا تنبت أزهاراً!
أمطرت سماؤك يوماً وحمل نسيمك موسيقى رائعة، فرقصت روحي بين ثناياك رقصة أبدية. ثم بات مساؤك طويلاً وانسلخت عنك الحياة، فاستحلت جثة هامدة. دفنت تلك الجثة في أرض المستحيل ورحلت. أرثيك من غربتي وأناشدك بأن تعيد إليّ أحلامي وأوراقي. أنت مدين لي بكلمات كاذبة وتواريخ وهمية وبنجوم وكتب ورسائل، وأنا مدينة لك بانتقام!
أضحك طويلاً لكلمة «انتقام» فهي لذيذة وغريبة، وخاصة عند امتزاجها بقدر كبير من الكراهية. هل أستطيع حقاً أن أكره؟! هل أستطيع التوقف عن تنشق رائحة جثّتك العفنة؟ عندما تهزّك صدمة ما بعنف يموت فيك الأمل لوقت طويل وتصبح بحاجة إلى الهرب بأي وسيلة. أرفض أن أكون ضعيفة وساذجة. أذكر أن عالمي كان يوماً بريئاً وحالماً، أريد استعادته من بين زوايا الماضي البعيد. سأعود إلى موطني الذي غادرته طوعاً. اعذروني إن انتهكت حرمة الموتى فسأستخرج جثّتك وسأدعو الله أن يبثّ فيها الروح من جديد! أريد «زجّك» على كرسي الاعتراف، ومن ثم إصدار حكمي بنفيك بعيداً، هنا أكون قد منحتك ما لك في ذمّتي من انتقام!