اختار الروائي والصحافي المصري الشاب نائل الطوخي ترجمة الأدب الإسرائيلي حصراً على مدونته. فهل تنأى الهواجس الأدبية بصاحبها عن تهمة التطبيع؟
القاهرة ــ محمود عزّت
«هي مدونة ذاتية، لا تهتم بما يهم الصحافة في الأدب الإسرائيلي مثل: أديب عربي تُرجم إلى العبرية، أديب إسرائيلي يهاجم مصر، مجموعة من الشعراء اليهود يعلنون تضامنهم مع نشطاء من حماس. فالاهتمام الأساسي هنا هو الأدب الإسرائيلي الجيد فقط». هكذا، ينأى نائل الطوخي، المتخرّج في كلية الآداب ـــــ قسم اللغة العبرية، والروائي الذي يعمل الآن صحافياً في مجلة «أخبار الأدب»، بمدونته «هكذا تحدث كوهين» عن أي اعتبارات سياسية. يعرض ما تحتويه حتى الآن من ترجمات لنحو 8 أعمال أدبية إسرائيلية منها: مشهد من رواية «هذا هو البني آدم» للروائي والصحافي الإسرائيلي «يتسحاك لاؤور»، قصة قصيرة بعنوان «ثعلبان» للكاتب «بوعاز لافي»، عدة قصائد للشاعر الإسرائيلي «موشيه بن هارون»، مشهدان من مسرحية «ملكة الكبانيه» للمسرحي حانوخ لفين تحت عنوان: «اذبحني يا أبي اذبحني»، مؤكداً أن التدوين هو عمل شخصي في نهاية الأمر يسمح له بأن يتجاهل العداوة السياسية الكامنة بين العرب وإسرائيل.
«أتعامل مع النتاج الأدبي الإسرائيلي كما يتعامل أي مترجم مع أي نوع من الأدب، أي بحيادية، تاركاً للآخرين استخلاص الدروس السياسية والاجتماعية. وللمناسبة، أنا أستخلص الدروس في سياقات أخرى، ولكن المدونة خصّصتها للترجمة فقط»، يقول الطوخي، لافتاً إلى أن «الأدب الإسرائيلي الحديث لا يزال مجالاً مغيّباً تماماً، مثله مثل الأدب الإيراني الحديث، أو الأدب الأفغاني الحديث، أي كل تلك الآداب التي تطغي سمعتها السياسية على سمعتها الفنية»، ليؤكد أنه «لا يمكن تجاهل أدب بعينه لأسباب سياسية. بل بالعكس، الصراع دائماً يفرض علينا أن نزيد من معرفتنا به وفقاً حتى لشعار «اعرف عدوك» الشهير الذي يردده الجميع لدى أي حديث عن إسرائيل».
وكدليل على صحة وجهة نظره، يشير الطوخي إلى أن أهم ما لفت انتباهه في الأدب الإسرائيلي الحديث هو شعر الاحتجاج السياسي على السياسات الإسرائيلية، فيقول «كنت أعتقد أن هذا النمط من الشعر انتهى مع انقضاء مرحلة الستينيات والسبعينيات التي زعم كتّابها الابتعاد عن الإيديولوجيا والتفّرغ للكتابة عن تجارب شخصية محضة، لكنني فوجئت بأنه لا يزال موجوداً بقوة وبأشكال فنية جديدة تماماً».
في هذا السياق، يستعد الطوخي الآن لترجمة مقال للشاعر الإسرائيلي الشاب «عران تسيلجوف» عن القصيدة السياسية: كيف عليها أن تحتج، وأن «تتوسخ» بالعالم، وبالاحتجاج ضد الاحتلال والحواجز، بدلاً من أن تنتمي إلى «الفن النقي»، لأن «النقاء نفسه مفهوم أسطوري»، بحسب تعبيره.
أما عن الانطباعات التي وصلت إليه بخصوص المدونة، فيقول الطوخي إنها كانت إيجابية، وهو أمر استغربه، لإدراكه أنه يترجم أدباً يُستقبل بحساسية. طبعاً، لم يخل الأمر من بعض الانطباعات المتحفّظة التي تلقّاها بشأن «أن المدونة تفتقر إلى الإطار الفكري»، كما يقول شارحاً، «أي إنني اتّهمت بالاختيار العشوائي للنصوص. إلا أن ذلك كان مقصوداً في المدونة، إذ إنني كنت قد شرحت منذ التدوينة الأولى أن آلية اختياري ستكون فنية محض ولن تخضع لأي اعتبار سياسي».
فهدف نائل هو تناول هذا الأدب الموجود فعلياً على أرض الواقع وليس مناقشة «شرعية» وجوده في الأساس. فهذه قضية لم يتطرّق إليها «أيّ من مثقفينا، مهما بلغت بهم الحماسة»، كما يقول الطوخي، شارحاً «لم يصل أحد منهم إلى حد إنكار وجود الأدب الإسرائيلي. ولكن، في المقابل، ينكرون، جميعهم، عرضه على الملأ، «وإظهاره للناس. هذا لا يقال مباشرة، ولكن القاعدة معروفة.»
يكاد الطوخي يتماثل مع صورة «محامي الشيطان» الأدبية. يطلق مواقفه وفق منهج جدلي، فيشعل فتيل إشكالية ولا يطفئه بموقف شخصي.