الصور الثلاثية الأبعاد حلم كثر الكلام عن إمكانية تحقيقه مع تقدم البحوث التكنولوجية، وقد يرى النور أخيراً، ويستخدم في تطبيقات عسكرية وعلمية، ثم فنية وترفيهية، وذلك بفضل مشروع أوروبي، يشارك فيه مئات الباحثين من 19 دولة. العمل بدأ منذ عام 2006، ومن المتوقع أن تظهر النتيجة قريباً

روني عبد النور
عام 2004، خطّطت 19 شركة من سبع دول أوروبية لمشروع أُطلق عليه اسم 3DTV. المشروع رمى إلى تقريب إنتاج الصور الثلاثية الأبعاد خطوات إضافية من الواقع، من خلال الاستعانة بميادين علمية عدة مثل المعلوماتية ومعالجة الإشارات والاتصالات والإلكترونيات والبصريات والفيزياء. الفكرة التي وُلدت قبل أعوام أصبحت اليوم واقعاً يجسّد مفهوماً جديداً في عالم المشاهدة السينمائية والتلفزيونية، ويفتح المجال أمام مروحة من التطبيقات الأخرى.
لقد مرّ 3DTV منذ إطلاقه بمراحل عدة. عام 2006، تمكّن الفريق المشترك والمؤلف من أكثر من 200 شخص من نشر أكثر من مئة مقالة بحثية ذات صلة في مجلات متخصصة وفي مؤتمرات علمية. ثم ما لبث الفريق أن حقق قفزة نوعية عبر النجاح في التقاط صور ثلاثية الأبعاد مستخدماً عدداً كبيراً من الكاميرات، إضافة إلى معالجة المشاهد الثلاثية الأبعاد الملتقطة وعرضها، ناهيك عن تنزيل الصور على شبكة الإنترنت بواسطة تقنية الـ streaming. بعدئذ، موّل الاتحاد الأوروبي مشروعين مرتبطين بالمشروع الأم، وهما HOLOVISION الذي أنهى مهمته في نيسان الماضي وOSIRIS الذي يستمر حتى نهاية عام 2009.
سبق أن أعلن الخبراء أن الهدف الرئيس من HOLOVISION كان تطوير تقنيات قادرة على إنتاج صور ثلاثية الأبعاد عالية الجودة بالاعتماد على حواسيب متطورة وأنظمة لاستخدام محرّكات الإسقاط وتقنية الصور الهولوغرافية أثناء العرض. وقد طُوّر نموذج أولي بلغت دقة الشاشة فيه 100 ميغابكسل، أي نحو عشرة أضعاف تلك التي تتمتع بها تقنية البث الفائق الدقة HD، وذلك بمعدّل تبديل 25 إطاراً في الثانية الواحدة اعتماداً على ستة ألوان بدل نظام الألوان RGB (أحمر، أخضر، أزرق). ولاحقاً، تمكّن الخبراء من زيادة مستوى الدقة بواقع ثلاثة أضعاف ليبلغ 300 ميغابكسل، مستخدمين تقنية التدرّج الرمادي للصورة الرقمية (وهي تقنية لإنتاج الصورة تكون فيها المعلومات اللونية عن كل بكسل عبارة عن إشارة أحادية) بدل تقنية الألوان.



لم تخرج أية تطبيقات تجارية من رحم HOLOVISION، إلا أن الأخير مثّل حجر زاوية بالنسبة إلى OSIRIS الذي عُرض نموذج أولي عن أحد أنظمته في معرض ICT في مدينة ليون الفرنسية أواخر العام الماضي، حيث كان له وقع لافت على جميع الحاضرين. بالنسبة إلى OSIRIS، يكمن الهدف الرئيس في تطوير شاشة سينمائية كبيرة الحجم وعالية الجودة تعتمد على مبدأ الإسقاط العاكس reflective projection. أما النموذج قيد التطوير، فيتألف من شاشة بحجم 1.7 م x 3 م. مع مسلّط للصور يقع في أعلاها، وذلك على عكس HOLOVISION الذي اعتمد على الإسقاط من الخلف، الأمر الذي بقي يترك أثراً سلبياً على نوعية الصورة المعروضة. ولتحقيق مبتغاه، يستخدم OSIRIS مجموعة من المرايا ومصادر الضوء المختلفة لإعادة إسقاط الصور. وسيتيح المشروع عرض صور على الشاشة يتراوح عمقها بين 15 و20 بوصة، ما يجعلها أكثر واقعية بما لا يقاس.
لكن، أين تكمن أهمية هذه التقنية بالنسبة إلى المستخدم؟
أهم ما تقدمه التقنية الجديدة، عدا المشاهدة الممتعة، هو انتفاء الحاجة إلى استخدام النظارات الخاصة التي تُستعمل في السينما بطريقة معيّنة، وفي وضعيات محددة من أجل توفير الأثر الثلاثي الأبعاد للمشاهد. والحال أن من شأن ذلك توفير تجربة أكثر ملامسة للواقع مقارنة مع تقنية الهولوغرافيا الجامدة، حيث يستطيع المستخدم التنقل بحرّية لتغيير زاوية المشاهدة وحيث يجري تسجيل بناء الصور ومعالجتها وإعادتها تعاقبياً. وفي الواقع، فإن الصورة الناتجة من هذه التقنية إنما تُنتَج على نحو مماثل للطريقة التي تنبعث من خلالها الأضواء من الأشياء، ما يخفف من الجهد الذي يتعين على الدماغ بذله في سبيل إدراك الصور حسّياً. ويشبّه الخبراء العملية بمشاهدة منظر طبيعي من النافذة. فالتنقل أمام النافذة لا يمنع المشاهد من رؤية المشهد نفسه، أي بكلمات أخرى، لا يغيّر تبديل موقع المشاهدة من طبيعة الصورة الملتقطة.
أخيراً، وبالنسبة إلى المجالات التطبيقية، فرغم أنها ستقتصر في بادئ الأمر على الحقول العسكرية والعلمية، إلا أن التوقعات تشير إلى تداعيات مستقبلية إيجابية جداً في مجالات الترفيه السينمائي والتلفزيوني وألعاب الفيديو، إضافة إلى التطبيقات الصناعية مثل برامج التصميم بمساعدة الحاسوب CAD، ومجال الإعلانات، والطب ولا سيما طب الأسنان، ناهيك عن إمكانية استعانة أبراج المراقبة في المطارات بالتقنية الجديدة. ويجزم المصممون بأن مجال التطبيقات قد يُشرع على مصراعيه بعد أشهر معدودة من الآن، حيث ستُطوّر أنظمة تتطابق مع احتياجات المستخدمين المتنوعة.