حسان الزينيجزم كثيرون، من الأطراف السياسية المتعددة، أن لبنان مقبلٌ على انفراج. يستند هؤلاء إلى عودة الحرارة للعلاقات السعودية ــــ السورية ورواج ما يسمىّ «سعي أميركا ودول الاعتدال العربي إلى سلخ سوريا عن حليفتها إيران وجذبها إلى عملية تسوية مع إسرائيل». ثمة، في لبنان، في موازاة تلقّف التهدئة العربية، حراك سياسي وتموضعات وتموضعات مضادة، أهمها وأكثرها صراحة صوت وليد جنبلاط المتجه نحو الوسط منذ شهور سبقت الانتخابات. لكن جنبلاط الذي يعرف مخرج الطوارئ «وإلى أين» يؤدي ومن يقف هناك، (نبيه بري)، لم يجد بعد نظريته ومكانه الاستراتيجيين في التركيبة اللبنانية، وإن اختار، أخيراً، «التهدئة مع الشيعة»، الذين يجدهم كيفما تحرك، في الديموغرافيا والاجتماع والاقتصاد والسياسة.
كأن جنبلاط يدرك أن إعادة صوغه دوراً ما أمرٌ صعبٌ للغاية، ولا تكفيه الإيجابية تجاه خصوم الأمس. فهؤلاء وجدوا حليفاً يثقون به، ومصلحته الاتفاق معهم. هو ميشال عون، الذي خطف من جنبلاط الدور (؟). ولعل في هذا تفسيراً لتصعيد «بيك المختارة» في المرحلة السابقة. من دون أن يحجب التفسير هذا التأثير الدرامي لما يسميه جنبلاط وقوعه شخصياً وسياسياً في دائرة الاستهداف، في مواقفه السياسية.
أما هدوؤُه اليوم فلا تفسّره «التهدئة العربية» وحسب. هناك أيضاً شعوره بأن حلفاءه، أمين الجميل وسمير جعجع تحديداً، يأكلان من حصته وأمام مرأى من سعد الحريري ومسمعه.
«ما العمل؟». أيكفي التململ جلوساً بين أقطاب 14 آذار، والاقتراب من بري؟ «ما العمل؟»، وقد عاد إليه قلق الأقلية، بعدما كان أسكنه وسكّنه تحت عباءة «الاعتدال العربي ــــ الحريري»، في السنوات السابقة. «ما العمل» مع التهدئة السعودية ــــ السورية وترجمتها المحلية تقاسم «شيعي» ــــ عون من جهة، و«سني» ــــ جعجع والجميل من جهة آخرى؟ أيكفي التناغم مع برّي والقيام بمهمة كاسحة الألغام أمام الحلفاء؟
إذا كان التناغم دوراً موسيقياً، وغنائياً كورسياً في أفضل الحالات، فيما معركة الأحجام مشتعلة، فإن مهمة تأمين الطريق لتنقّل الحلفاء لا تصنع دوراً ولا يرتضيها جنبلاط الذي حرس السلم الأهلي في أيام صعبة. فهو نفسه فجّرها في أيام أخرى.
جنبلاط بحاجة إلى معجزة. وهو مسؤولية نفسه والجميع على حد السواء. جنبلاط هو التعبير المقبل عن أزمة الصيغة ــــ التهدئة، بما هي عودة التفاهم السعودي ــــ السوري إلى الربوع اللبنانية.