فترة التحضيرات لامتحانات نهاية العام تقلب جدول يوميات معظم العائلات، وكأنها خارجة عن إيقاع حيواتها، دفتر العلامات هو الحكم الذي يرتكز عليه الأهل والمدرسة والمجتمع لتقييم طفل ما. خلال عملية الدرس والمراجعة يسيطر نوع من الخوف على التلميذ وأهله، يسود القلق، الكل يستسلم أمام طغيان المقولة الشهيرة «في الامتحان يُكرم المرء أو يهان»... ليس ثمة من يكذّب هذا الاعتقاد
حلا ماضي
يتحول منزل سناء وهبي خلال فترة التحضير للامتحانات المدرسية النهائية إلى حالة من الاستنفار، وتعلن حالة الطوارئ في مختلف غرف المنزل، تنتشر الكتب والأوراق في المكتبة وعلى طاولة المطبخ. سليم الابن البكر يتحضر للانتقال من المرحلة الثانوية والدخول إلى الجامعة، أما إبراهيم فسيترك المرحلة المتوسطة، وسمير يحضّر نفسه لطي صفحة المرحلة الابتدائية، وتتحدث الأم عن خلل ما أصاب منزلها، فليس هناك وقت معروف للنوم أو الاستيقاظ، كما ليس هناك وقت محدد لتناول الطعام! وعندما تحاول سناء تهدئة أولادها، تتلقى جواباً قاسياً نوعاً ما، إذ يقول لها الأولاد «ألا تريدين منا أن ننجح ونحصل على أعلى المعدلات؟».
هذا فيما تعيش وردة راضي في قلق، من تدني نتيجة ابنها فؤاد (12 عاماً) المدرسية، كما حصل له العام الماضي. يعزل الصبي نفسه في غرفته ويمضي ساعات النهار وبعض الليل وهو منكب على دروسه، ولكنه سرعان ما ينسى المعلومات التي حفظها، ويصاب بنوع من الإحباط والحزن، يختار الوحدة مجدداً ويرفض التحدث مع أي كان.
وردة وسناء وأولادهما يمثلون نماذج لما يمكن أن ينتاب الأهل خلال فترة التحضير للامتحانات نهاية العام الدراسي. الخوف هو ما يشعر به أفراد معظم العائلات في هذه الفترة، كما توضح سمر الزغبي، أستاذة التربية في كلية الآداب فى الجامعة اللبنانية.
تشير الزغبي إلى أن «الخوف من الامتحانات» عبارة يرددها التلميذ المجتهد والتلميذ اللامبالي على حدّ سواء، وهذا ما يستتبعه توتر يحوّل الأسابيع المخصصة لمراجعة الدروس إلى فترة من الكوابيس المحاطة بالضغط والإرهاق، وصولاً إلى فقدان القدرة على التركيز والاستيعاب، وذلك يعود إلى أسباب عديدة لعل أهمها: «الحشو» أو كثرة المواد التي يُطلب من التلميذ مراجعتها للامتحانات، فيمل منها ويشعر بالضياع. إضافة إلى ضغوط الأهل أنفسهم على أولادهم، فيحثونهم على العمل بجهد كبير حتى يحققوا نتائج مميزة لينالوا المكافآت أو حتى ليتفوقوا على أصحابهم.
تلفت الزغبي إلى خطورة ما ينتج من الضغط النفسي الذي يتعرض له الأولاد، والذي يرتفع مع تقدم التلميذ في الصفوف، هذه الضغوط تلعب دوراً لا يُستهان به في رسم شخصية تلميذ اليوم وإنسان المستقبل، فيعتقد أن مصيره مرتبط بورقة العلامات، ولا يعطي أهمية للتحصيل الثقافي والمعرفي غير المرتبط بعلامات المدرسة. كما أن هذه الضغوط قد تدفع ببعض الأولاد إلى الهروب من المنزل، وقد يعاني البعض من حالة نفسية سيئة في حال رسوبه أو إذا فشل في تحقيق علامات مميزة، وقد يتطور الأمر إلى تفاعلات خطيرة على شخصية التلميذ.
تشدد الزغبي على دور الأهل، «عليهم أن يشرحوا لأولادهم أن الامتحانات ونتائجها ليستا نهاية العالم، ومن يفشل اليوم يمكنه أن يعوض ذلك غداً، إذا تعلم من أخطائه».
تعتبر الاختصاصية في تربية الأطفال التعليمية والبدنية سمر الإسماعيل أن عملية استعداد التلاميذ للامتحان ترتكز على وعي الأهل، فهم الأعلم بطباع أولادهم، وهم الأقدر من خلال التعامل اليومي معهم على متابعتهم خلال مراحلهم المدرسية المختلفة، «بعض التلامذة يتمتعون بقدرة على الاستيعاب السريع وآخرون لا يجيدون الدرس إلا بأسلوب بطيء، هناك من يفضل الدرس في الأجواء الهادئة، فيما يجد آخرون أن الدرس ضمن مجموعة أكثر جدوى!».
تشدد الإسماعيل على أن القاعدة الأساسية التي يفترض بالأهل التزامها هي «تحضير الأولاد لامتحانات آخر السنة منذ بداية العام الدراسي»، وذلك عن طريق إقناع التلميذ بأن الدرس هو وظيفة ومسؤولية تطبق يومياً، فذلك من شأنه التخفيف من «رهبة» الامتحان، ليصل التلميذ إلى الموعد وقد جهّز «العدة» لناحية الاستيعاب ومراجعة برنامج المنهج الدراسي بعيداً عن الضغط والتوتر. تعتبر الإسماعيل أن قضية التحضير الامتحانات هي موضوع مهم جداً بالنسبة إلى الأولاد في سنوات التعلّم الأولى، وقد تكون الأساس لمستقبل ثقافي ناجح وبارع، أو تؤدي إلى حالة من الكره الشديد للدراسة، مما يدفع التلميذ إلى اختلاق الأعذار لتفادي الذهاب إلى المدرسة، لذلك فإن دور المؤسسة التعليمية لا يقل أهمية عن دور الأهل، وعلى إدارة المدرسة أن تبدأ منذ انطلاقة العام الدراسي، بالتعاون مع الأهل، بمتابعة التلاميذ واكتشاف نقاط الضعف والقوة لدى كل واحد منهم، مما يسمح باحتواء الحالات المعقدة، وبالتالي معالجتها قبل فوات الأوان.


شروط التحضيرات

تتحدث سمر الإسماعيل عن ضرورة الحفاظ على وتيرة الحياة اليومية خلال فترة الاستعداد للامتحانات، وتناول وجبات الطعام المغذية في مواعيدها، والنوم وقتاً كافياً للاحتفاظ بالقدرة على التركيز وعدم إلغاء التمارين اليومية، والابتعاد عن المنبهات، ولا بأس بنزهة يومية صغيرة لتجديد الطاقة.
أما المطلوب من التلميذ فوضع برنامج للمراجعة، وحسن تنظيم الوقت باعتماد خطط مناسبة للاستذكار بناءً على عدد المواد ونوعيتها وتوزيعها، حتى لا يُخلط بينها. بعد مراجعة أولية وشاملة للبرنامج، تبدأ مرحلة التركيز، والأفضل في هذا المجال أن يبدأ التلميذ مراجعة آخر المواد في جدول الامتحانات، ثم ينتقل ليصل إلى المادة المحددة فى اليوم الأول، ويعود عشية كل امتحان إلى تنشيط ذاكرته بقراءات أخيرة.