حسن خليلما يحصل في إيران استرعى انتباه أصحاب النوايا الحسنة والسيئة على حدّ سواء، فمنهم مَن رأى في الاضطرابات الأخيرة فرصة للاقتصاص من «الدولة الناشئة الطارئة على الساحة الدولية»، وآخرون قلقوا من غيرتهم عليها أو خوفاً من تداعيات اهتزاز قد تطرأ، تضعف دور إيران «الممانع». في لبنان وإيران كانت الحيوية السياسية «الجامع المشترك» للانتخابات التي حصلت. وقد أدّى تراكم الأخطاء للسلطة السياسية في إيران وللمعارضة في لبنان في ما يتعلق بالشؤون الداخلية، إلى حوادث الشغب في إيران وإلى الهزيمة السياسية في لبنان.
إيران في التاريخ خمسة آلاف سنة وفي الجغرافيا مركز ثقل من شرق آسيا إلى وسطها امتداداً إلى المنطقة العربية وتركيا. نفوذها مؤثر في أزمات أفغانستان وباكستان وأذربيجان (أرمينيا) والأكراد والعراق ولبنان وسوريا وفلسطين، ناهيك بملفها النووي. ولكن هل هناك مَن يتوهّم فعلاً أنّ في إيران خلافاً على هوية النظام أو السياسة الخارجية أو الأمن القومي أو الملف النووي؟ حتى بالنسبة لمفهوم ولاية الفقيه، يقتصر الفارق بين الطرفين المتخاصمين على أن أحدهما يتمسك به من منطلق ديني، بينما الآخر من منطلق دستوري. أحمدي نجاد يتكلم بلهجة ثورية، فيما يتكلّم مير حسين موسوي بلغة دبلوماسية.
للمعارضة في إيران اعتراضات عديدة على ممارسة السلطة الحالية. في الشأن الداخلي، تتلخّص بالدعوة إلى انفتاح أكبر على المجتمع المدني، وحرية التعبير وتعدد الأحزاب وتفعيل دور المرأة. وقد تصل المطالبة إلى حد تقليص نفوذ رجال الدين والسلطة الدينية في الممارسة. وتصريح مير حسين موسوي الأخير بأنه ليس ضد النظام الإسلامي بل ضد سوء استعمال النفوذ والأكاذيب تحت ستار العباءة الدينية، هو دليل على أن المعارضة الإيرانية ليست ضد النظام، لكنها لن تقبل أن تغطي على مساوئ الممارسة. فهي ضد استعمال نفوذ المراجع الدينية لمصالح شخصية. وفي الشأن الاقتصادي، هي مع تحجيم دور الدولة وإطلاق القطاع الخاص والمبادرة الفردية.
كم هي مثيرة المقارنة بين الواقعين السياسيين الداخليين اللبناني والإيراني، وبين المعارضة الإيرانية والمعارضة اللبنانية. فالأخيرة مارست تغطية شبه كاملة لسوء ممارسة السلطة في لبنان منذ اتفاق الطائف حتى اليوم، وإن كانت على تناقض كامل في مفهوم الواقع الأمني (العسكري) والسياسة الخارجية مع السلطة (ولا أحد يصدق التكاذب القائم حالياً والتوافق الطارئ). وكما أن السلطة وفريقها المناوئ لمفهوم المقاومة (حتى الردعي منه) لا يطرح بدائل سوى أن الدفاع عن لبنان هو «مسؤولية الدولة ودور الجيش» (المُتاجَر به من الجميع)، كذلك فإن المعارضة في تركيبتها الماضية والحالية لا تطرح سوى شعارات خالية من آليات تطبيقية. ففي الجانب المالي والاقتصادي، سلّمت (إن لم تكن استسلمت) للمنظومة الحريرية بحجة أن الحريريّين لديهم خبرة ومعرفة في هذه الأمور، وحتى علاقات دولية لا يستطيع أحد مقارعتهم فيها (إلى أن وصلنا إلى 55 مليار دولار ديناً). أما سياسياً، فقد شاركت المعارضة في فترات متعددة منذ الطائف حتى اليوم (وجزء من 14 آذار كان في المعارضة الحالية) في السلطة. بعد سنة 2000، أصبحت المعارضة جزءاً من السلطة، وأخذ الفريق الإصلاحي فيها (بأسلوب تساومي) مراكز نيابية ووزارية أدى إلى انعدام حجج الاعتراض على واقع السلطة لأنه أصبح مشاركاً فيها (حتى إذا تغاضينا عن أن التجربة الوزارية والنيابية للمعارضة كانت دون المستوى). نتيجة الانتخابات الأخيرة لم تكن فقط «خسارة عدد» عند المعارضة، بل «خيبة نوعية». فبعض جمهور المعارضة (الإصلاحي لا التقليدي) يتساءل إذا كان التمثيل المُنتخب أفضل ما يمكن أن تقدمه؟
في الخلاصة، طرفا الخصومة في لبنان لا يتفقان إن كانت «قوة لبنان في ضعفه»، أم «قوة لبنان في قوته»، ولكنهما يغطيان بعضهما على بعض (حتى درجة المشاركة) في تعميم الاهتراء القائم. ونظرية أن الهدف الاستراتيجي السامي (الصراع العربي ــــ الإسرائيلي) يجعل الشأن الداخلي رمزياً لم تعد مقبولة عند شريحة كبيرة من جمهور المقاومة والمعارضة، لأن المقاومة على الحدود تحتاج إلى عُمق داخلي يتمثّل بمقاومة السلطة الفاسدة.
ويأتي مَن يقول إن لبنان متقدم وإيران متأخرة. صحيح لأننا نسينا أن المعايير المعتمدة في سوليدير هي غيرها في طهران.
الفرق بين المعارضتين الإيرانية واللبنانية، هو أن في إيران معارضة لدولة تتمتع بسلطة. أمّا في لبنان، فـ«لا معارضة لسلطة اللادولة».