يبتسم وزير العدل لدى استقباله فريق «الأخبار» في مكتبه. «انتبه ... أريد أن أقول لك شيئاً»، كرّر رئيس السنّ في مجلس الوزراء البروفسور المخضرم خلال ساعة تناول خلالها شؤوناً قضائية وسياسية واجتماعية تحت نظر أحد مرافقيه. يضع العكازات جانباً ويجلس خلف طاولة المكتب مصرّاً على أن يظهر العلم اللبناني خلفه في الصورة بوضوح، بينما تزيّن المكتب لوحات فنية فرنسية يُشغل فيها الزائر أحياناً بحثاً عن لحظة بعيدة عن مشاكل القضاء. وقبل السؤال الأوّل تأكيد للتسجيل الصوتي ونقل حرفي لما يرد فيه. تنتهي المقابلة. يطلب الوزير عدم نقل كلمة قالها بانفعال، لكنه يعود إلى ابتسامته عند إصرار «الأخبار» على تفريغ كامل التسجيل
حاوره: عمر نشابه
■ أي إنجاز تعدّونه الأبرز لوزارة العدل خلال تولّيكم مركز وزير العدل؟ ولماذا؟

قانون الإصلاح الدستوري. أولاً لأنه أصبح قانوناً وتم التصديق عليه والموافقة عليه من قبل مجلس النواب بجناحيه، يعني الأكثرية والأقلية. ثانياً لأن هذا القانون تجرّأ على إلغاء القوانين التي كانت قد أعدّت سابقاً لتلافي بعض آثار السعي إلى تأليف مجلس دستوري سابق. وثالثاً لأنني ضمّنت هذا القانون فعلاً مقاييس راقية لا تأخذ بالاعتبار لا التفصيل على قياس شخص معيّن ولا على وزير معيّن ولا على «محاسيب» معيّنة ولا على قضاة معيّنين، بل أدخلت فيه ما يزيد من احترام القاضي الدستوري، يعني مضمون هذا القانون هو مضمون حضاري وأنا، وهذا سبب اعتباري ذلك الأبرز، هذا أول مشروع حملته إلى مجلس النواب وتكلّمت. وتكلّمت. أنا بحياتي لم أقف في مجلس النواب متكلّماً أمام أصحاب السعادة النواب ورئيس المجلس.

■ هل كان بالإمكان إضافة معايير أو بنود على هذا القانون تمنع ما حصل لاحقاً من محاصصة سياسية لأعضاء المجلس الدستوري أو تخفّف منها؟

على ضوء اختبار المأساة التي وقعنا فيها عند اختيار أعضاء المجلس الدستوري تبيّن لي أنه ربما ينبغي أن نعدّل هذا القانون في المستقبل. القانون المقارن يمكن أن يعطي أفكاراً في هذا الإطار، إذ في الدول الأخرى هناك حصّة لرئيس الجمهورية وأخرى لرئيس المجلس، وثالثة لرئيس مجلس الوزراء. هذا يمكن أن نفكّر فيه كأن يقال مثلاً أن يعطى رئيس الجمهورية أربعة، ثلاثة لرئيس مجلس النواب وثلاثة آخرون لرئيس مجلس الوزراء. هذا حلّ ممكن، لكنه يحتاج إلى دراسة.

■ ما هي أبرز العقبات التي واجهتكم؟

أولاً، الحادث الذي تعرّضت له ولا أخفي أن الحادث لولا لطف ربّنا وتحنّنه علينا لكنا في غير عالم أنا وزوجتي. انكسرت. قوة الانطلاق التي كنت فيها لجمها إلى حدّ ما الحادث. وخلال نحو شهر لم أستطع أن أتصرّف بكل طاقتي الجسدية. أما العقبات الكبرى التي واجهتها من دون أي شكّ فهي التشكيلات القضائية.

■ من أي ناحية؟ هل أنت غير راضٍ عن التشكيلات القضائية؟

سأقول لك ما كان الوضع: عندما تألفت هذه الوزارة كان قد مرّ عدد من الأشهر والعدلية بدون مجلس قضاء أعلى مكتمل لأن معظمهم كانوا قد شارفوا على التقاعد (ليس أقل من ثلاثة منهم) ثم تقاعد رئيس المجلس وكذلك القضاة كانوا في وضع من التضعضع ومن الارتباك الكامل. ولم يكن القاضي يعلم ما سيحلّ به. لم يكن يعرف إذا كانت التشكيلة التي كانت معدّة سابقاً ستمرّ أو لا. لم يكن يعرف ما سيكون مستقبله. أما المتقاضون فكانوا يعتبرون أن القضاء لا يعطيهم حقهم، فلا يحسم والتأجيل والتأخير أثرا على الاستثمار في لبنان وعلى الشركات. فالمنازعات لا يمكن أن تنتظر إلى ما شاء الله وحتى يفرغ السياسيون من إعداد التشكيلات القضائية. هذا لا يجوز. لذلك كنت أواجه تحدياً كبيراً. وكان الجميع يقول لي إذا لن تحصل التشكيلات القضائية فكأنك لم تنجز شيئاً. والعقبات التي واجهتني هي أنني كنت أرى العلة والثغرات ومكامن الضعف التي يجب أن أتصدى لها من خلال تشكيلات تتمتع بالصدقية الكاملة. إنما من جهة أخرى كنت أرى أن هناك حدوداً لهذه التشكيلات. هناك حدود لحرية التحرك. لم نستطع أن نتصرف أو نقوم بأي شيء بهذا المعنى إلا عندما فككنا الارتباط بين وجوب تعيين هيئة تفتيش قضائية وتعيين رئيس أول لمحكمة التمييز وحصل ذلك بفضل دعم الرئيس نبيه بري بصورة خاصة. وليكن ذلك واضحاً. وبدعم أكيد من دولة الرئيس السنيورة وأكيد بتشجيع فخامة الرئيس لأن التشكيلات كانت أول عمل مؤسسي في هذا العهد. ففضلت أن أمشي بالتشكيلات على علّاتها وعلى مضض كي نتمكن فقط من إكمال المسيرة.

■ متى تنتقل السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل؟

هذا مشروع على مراحل تبلغ خمس سنوات، ونحن نطبق المراحل التي تمّ الاتفاق عليها بحذافيرها.
عندما أفرجنا عن التشكيلات القضائية أصبح هناك إمكان لتطبيق قانون الـ2002 والمرسوم التطبيقي وتعيين القضاة والأطباء والمساعدين الاجتماعيين والرؤساء.
وأطلقنا هذا المشروع في سجن رومية، وكان أوّل نتيجة عملية للتشكيلات القضائية. وأنتم من وضع الكرّاس الأزرق ـــــ أي دليل كيفية الاستفادة من قانون خفض العقوبات.
عندما رشّحتني القوات اللبنانية لأكون وزيراً للعدل، أوصاني رئيس الهيئة التنفيذية الدكتور سمير جعجع بقضيتين، قال لي «دخيلك» السجون وعقوبة الإعدام. انتبه، ليس فقط أنا لديّ هذا التحسّس لا أقول الفطري، بل الإنساني الأدبي لوضع السجون. ولكن كل من عانى يفهم معنى قضية السجون.
واتّضحت لي ثلاثة أمور: أولاً بعد مراجعة الأرقام والإحصاءات في سجن رومية يتّضح أن الموقوفين الاحتياطيين هم أكثر من نصف الموقوفين، وهذا شيء لا يجوز. هذا شيء لا يتّفق مع النظام القانوني بكامله. لا يمكن أن يقبل العقل البشري أن يكون التوقيف الاحتياطي أهم لهذه الدرجة من عدد المحكومين وفي أمكنة موبوءة عيب. عيب أن بني آدم يقف فيها. لن أحكي لك عن زحلة. لن أحكي لك عن طرابلس. لن أحكي لك عن القبّة. لن أحكي لك عن باقي السجون التي هي عيب مطلق.
ثانياً، إن موضوع السجون يطرح مسألة كيفية تشييد أو ترميم أو زيادة الأبنية التي نحتاج إليها، واستطراداً موضوع الإسلاميين. اليوم يتحدث الجميع عن ذلك، لكنني بالحقيقة سعيت سعياً حثيثاً في هذا الموضوع، بعيداً عن الإعلام.
ثالثاً، هذا الموضوع ـــــ منذ أول طلعتي كان عمري 22 سنة كنت assistant (مساعد) في باريس يعني أستاذاً مساعداً وعملت مع غاستون ستيفاني وجورج لوماسور فيinstitut de criminologie (معهد العلوم الجنائية) في باريس بين الأعوام 1964 و1966 وأنا عايشت الموضوع الذي يسمّونهscience criminelle أو criminologie (العلوم الجنائية) أوscience penitentiaire (علم العقاب) وكل هذه الأشياء يعني أنا عندي تحسّس أصلي بهذا الموضوع، لذا أنا اعتقدت أننا يجب أن ندفع بهذا الاتّجاه وأنا الذي استحصلت على الترخيص بإطلاق المسرحية في سجن رومية مع أن كـ... الذين كانوا... أنا الذي أعطيتها بالنتيجة الترخيص.

■ بمقياس واحد إلى عشرة، كيف تقوّمون أداء القضاء اللبناني في خدمة المواطنين؟

كان لسنة خلت بصورة عامة بحدود الأربعة على عشرة، اليوم أصبح بحدود ستة على عشرة.

■ هل هناك تدخلات سياسية في عمل القضاء في لبنان؟

أنا لا أستطيع أن أتحدث عن هذا الموضوع لأنني لست قاضياً. لا أعرف، لكن القول الشائع بأن الكثيرين من السياسيين ومن كل الأطياف كانوا يتدخلون لأن القضاء لم تكن له هرمية واضحة لم يكن له رأس واضح، ونحن اليوم على المسار الصحيح، ويبقى علينا الكثير.

■ هل يخضع بعض القضاة لنفوذ جهات سياسية معيّنة؟

(صمت طويل) قد يكون ذلك، ولكن ليس لديّ أي إثبات على ذلك وأنا رجل قانون كما تعلم، يعني رجل القانون لا يمكن أن يقبل بأي شيء بدون إثبات.

■ ينشر الأنتربول أوصاف وصور مواطنين لبنانيين مطلوبين لديه وصادرة بحقهم مذكرات توقيف دولية. ما هو موقفكم من ذلك؟ هل أنتم مع توقيفهم من قبل السلطات القضائية اللبنانية؟ كانت النيابة العامة الأرجنتينية قد أعلنت أنها ستطلب توقيف أشخاص في لبنان يشتبه في ضلوعهم بجرائم إرهابية. ما هو موقفكم من ذلك؟ هل أنتم مع توقيفهم؟

أولاً، أنا أقول لك بصراحة إنها ليست صفة عضوية البعض في حزب الله التي يمكن أن تدفعني لأقول رأيي في هذا الموضوع سلباً أو إيجاباً. هذا لا يتعلق إطلاقاً بصفتهم منتمين إلى هذه الفئة أو تلك. ثانياً، الحقيقة أن الموضوع لم يعرض علي. جلّ ما فيه أن سفارة الأرجنتين في لبنان ذكّرتني بأن هذا الموضوع مطروح ولا يزال مطروحاً، ولكن النقطة الثالثة التي أريد أن أقولها إن هذا كلّه يتوقّف على الاتفاقات الدولية التي يعقدها لبنان وعلى التبادل بالمثل، وعلى نظرة القضاء اللبناني لمثل هذه الطلبات. أنا لست اختصاصياً في ذلك، لكنني لا أعتقد ولا أجزم أنه لمجرّد صدور مذكرة توقيف غيابية في الخارج على القضاء اللبناني أن يمتثل. بالعكس، هناك نصوص نجيز للقضاء اللبناني أن يرفض الموضوع. ورفضنا عشرات طلبات الاسترداد. وأنا وقّعت عليها. عملياً هذا يتوقّف على مطالعة النائب العام التمييزي الذي يبدي رأياً يوصي أو لا يوصي بالاسترداد أو بالتوقيف.

■ إذا طلبت منكم السفارة الأرجنتينية أو السفارة الأذربيجانية تحريك النيابة العامة في هذا الإطار، ولديكم الصلاحيات كوزير عدل بأن تحرّكوا النيابة العامة في قضية معيّنة...

أرفع الموضوع فوراً إلى انتباه النيابة العامة التمييزية، وهي التي تحرّك أو لا. أترك القرار للنيابة العامة.

■ إن اللبنانيين الداعمين لحزب الله يشكّلون أكثر من ثلث اللبنانيين، بينما الولايات المتحدة الأميركية وهي البلد الذي يتمتع بالنفوذ الأكبر من الناحية الاقتصادية والسياسية والثقافية، تعتبره منظمة إرهابية. ما هي رؤيتكم بشأن المواضيع القضائية التي تتعلّق بتحرّكات حزب الله في لبنان وفي المنطقة وفي العالم؟ وكيف ستتعاملون مع هذه الوضعية الشائكة؟
لا أحد في لبنان يستطيع أن يتجاهل الواقع على الأرض، وهو أن هناك حزباً له جناح عسكري قائم بذاته ولديه تمويل وأسلحة وخطط وقوات عسكرية ولديه code of ethics أي قواعد سلوكية وهذا الموضوع لا أريد أن أخفي عنك أنه يثير إشكاليات متعدّدة في لبنان والخارج. الإشكالية من الخارج واضحة. هذا سلاح عسكري وضع نصب عينيه النزاع مع إسرائيل. هذا شيء واضح للجميع وأثبت حزب الله أنه فعلاً ضمن المعادلة الإقليمية أنه حلقة صعبة على صعيد المنطقة. لكن لا أخفي عنك، وهي الملاحظة الثانية لي في هذا الإطار، أن اللبنانيين بحاجة إلى الاطمئنان بأن هذه القوة العسكرية لن يكون لها الجاذبية على الأرض السياسية إلى درجة أنها تعطل قواعد اللعبة في لبنان. فكثير من اللبنانيين يعتقدون أن هذا السلاح الذي يطلب من قبل حزب الله وجهات إقليمية اخرى أن يحافظ عليه. بعض اللبنانيين خائفون من هذا السلاح، يعني ليسوا عارفين إذا كان فعلاً ونهائياً هذا السلاح موجّهاً فقط ضدّ إسرائيل أو أنه في مرّة من المرات يمكن أن ينقلب إلى الداخل. وهذه إشكالية كبيرة. لهذا السبب إن ما حصل في السابع والثامن من أيار (2008) كان له مدلول ليس فقط مذهبياً، لكن على صعيد الوطن ككل. نقز الناس. نقزوا لأنهم كانوا يعتقدون أن السلاح موجّه فقط ضد إسرائيل فكيف حصل بين ليلة وضحاها هذا العرض للقوة الحاسمة في الشوارع وفي منطقة واسعة في بيروت والجبل.
أنا أريد أن أقول لك، أنا مع طرح فخامة الرئيس بأنه إذا كان ذلك يكمّل قدرات الجيش اللبناني لمجابهة التعدي الإسرائيلي، فهذا يغني القدرات اللبنانية ولا شك في ذلك. ويبقى أن يتمّ تنظيم التنسيق بين حزب الله والجيش اللبناني، ولكن لنكن أكثر وضوحاً، إذاً هذا السلاح سيؤدي إلى اتخاذ قرار منفرد بفتح جبهة من دون الحصول على وفاق لبناني لبناني بهذا الموضوع فهذا سيؤدي إلى إشكالية كبيرة في لبنان. هذه هي الحقيقة. لا أحد في لبنان اليوم يريد أو يقدر أن يتجاوز الواقع على الأرض. حتى الجيش اللبناني.
ولكن الذي نحن قادرون عليه من حزب الله وغير حزب الله أن نوجد مناخاً من الثقة. فهذه هي الكلمة المفتاح. نحن نحتاج إلى الثقة.

■ ثقة بين من ومن؟

كلّ اللبنانيين من مسلم سني إلى شيعي ومسيحي ودرزي وجبل وساحل وكلّو سوا. يعني المفروض أن نتحدّث بالوفاق ليس فقط لتأليف حكومات. إنما عندما نتحدّث في الأمور الأساسية.

■ يشير الواقع إلى أن شريحة لا يستهان بها من اللبنانيين تقف خلف حزب الله وخلف السابع من أيار الذي تمتعضون منه...

أنا لم أتحدّث عن امتعاض، أنا أقول إن ذلك زاد من الحذر. وإن المقولة التي كانت راسخة في ذهن الجميع بأن السلاح لن يستعمل في الداخل تحتاج اليوم إلى تأكيد وتثبيت، حتى تأخذ اللعبة الديموقراطية والبرلمانية مجراها بدون الخوف المستمرّ من سلاح موجّه أصلاً ضدّ إسرائيل.
إن ما حصل هو ردّة فعل زائدة عن اللزوم over-reaction ربما ما أقوله نظري، فمن الصعب ضبط العناصر، لكن لا أعتقد أن الأمر كان يحتاج إلى ردة فعل كهذه، وأنا أكيد أن من قام بهذه الأعمال ليسوا جميعهم تابعين لحزب الله. ومنهم من كان يسدّد حسابات. كل اللعب بالمسألة الأمنية في لبنان خطر. خطر على الجميع. لذلك أنا أقول يا ليتنا نتفق يوماً ما على تنسيق كامل بين مقتضيات الأمن اللبناني والاستراتيجية الدفاعية لأن هذه هي الطريقة الوحيدة لحلّ هذا الموضوع وللاستفادة من السلاح الموجود ولإعطاء المناخ السياسي العام في لبنان أجواء الاستقرار.
لا تنسى وأنا لا أشبّه ولا أغمز من قناة ما سوف يحصل في المستقبل، انتبه، أنا فقط أذكّرك أنه كانت هناك أيام كانت مثلاً القوات اللبنانية جيشاً أكبر من الجيش اللبناني وحصل صدام عنيف ومربك كثيراً بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية، وألفت انتباهك إلى أن القوات اللبنانية لم تعد موجودة كجيش بين مزدوجين، أدمج في الجيش ما يمكن دمجه، والباقي لم يبق منه شيء يسمّى جيش القوات اللبنانية. أنا بنظري، وأنا أتحدّث عن قناعات وجدانية وبالنتيجة يجب أن نتفق على modus vivendi لا أعرف كيف نقول ذلك في اللغة العربية أي حلّ مرحلي نتيجة تسوية تاريخية كلّ فريق عليه أن يقدّم فيها خطوة إلى الأمام حتى نلتقي. لا يجوز أن يكون موضوع سلاح حزب الله الذي يفترض أن يكون موجّهاً ضدّ إسرائيل سبباً لانقسام لبنان.

■ تحدثتم عن نقطة أساسية وهي مسألة الثقة، وهي مسألة أساسية لحلّ المشاكل...

أتمنى أن تذكر هذا السؤال في معرض الحديث لأنه سؤال بالغ الأهمية.

■ أكيد. والسؤال هو حتى يكون لأبناء الجنوب والبقاع وغيرها من المناطق الثقة بالفئة السياسية التي يعتبرونها مواجهة لهم ألا يفترض أن تتم متابعة القضايا القضائية التي تتعلق بمقتل 1200 لبناني عام 2006 أو على الأقل إعطاء هذا الشأن الاهتمام نفسه الذي يعطى للمحكمة الدولية؟

لا أبداً، لا يوجد مانع إطلاقاً.

■ ما الذي قامت به الوزارة؟

هذا موضوع محاكمة إسرائيل، هذا موضوع قائم بذاته وتحدّثنا عنه مراراً وتكراراً ونظّمنا حلقة دراسية حوله في جامعة القديس يوسف. لسوء الحظ، وأنا أتحدث كرجل قانون، لا وزير عدل ولا أي شخص آخر، من أجل مداعاة إسرائيل هناك قواعد القانون الدولي العام. هذه الشروط التي ينص عليها القانون الدولي العام حتى الآن لم تتوفّر، يعني درسنا طويلاً هذا الموضوع ولا أخفي عنك أن دولة الرئيس السنيورة وأنا والوزير الأسبق وقبل ذلك الوزير طبارة، وبعد الدراسة المليّة وعرض الموضوع على لجنة تحديث القوانين تمت استشارة فقهاء دوليين في ما مدى الجدوى أو الإمكانية من تقديم شكوى. ورفعت رزمة الاستشارات إلى دولة الرئيس السنيورة، وتبين لنا أنه يمكن أن يقيم لبنان دعوى، لكنها مردودة شكلاً لأنه لا نظام عالمياً اليوم يمكن اللجوء إليه لمحاكمة الدول إلا في إطار معاهدة روما، يعني المحكمة الجنائية الدائمة

■ أو إنشاء محكمة دولية خاصّة. لماذا لا يقدم مجلس الوزراء طلباً إلى مجلس الأمن عبر الأمين العام للأمم المتحدة، كما كانت حال رسالة الرئيس السنيورة التي طالبت بإنشاء محكمة دولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، لإنشاء محكمة دولية خاصة بجرائم عدوان 2006 وذلك لتثبيت الثقة التي تحدثتم عنها. لأنه بكل صراحة سيدي الوزير إن عوائل الشهداء يقولون إن أبناءهم وبناتهم وآباءهم وأمهاتهم وإخوتهم قتلوا وهم شهداء بأهمية الرئيس الحريري. ألا يستحقون محكمة؟ لماذا؟ حتى تثبت الثقة فهؤلاء يريدون أن يعرفوا إذا كان وزير العدل لا يفرّق بقضايا العدالة ولا يصل لهم صوت وزير العدل في هذا الإطار
تقنياً وقانونياً، هذا الطلب يعود الفصل فيه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. نظر مجلس الأمن في أحد المواضيع ونحن نشرناه ووزعناه وهي مطالعة بان كي مون في الأضرار التي سبّبتها إسرائيل والتي تبلغ مليارات الدولارات. ولم يتدخل مجلس الأمن بذلك. القضايا الدولية تقنياً، انتبه عندما أقول تقنياً يعني قانونياً، لا يمكن الإقدام على مثل هذا بدون أن يكون هناك رأي عام حاسم من قبل المجتمع الدولي ليلزم مجلس الأمن اتخاذ القرار. انظر إلى محكمة الحريري، المحكمة الخاصة بلبنان اليوم لم تنشأ بقرار لبناني.

■ كيف تفسّر هذه الحماسة الدولية في جريمة اغتيال الحريري التي استشهد فيها 22 شخصاً، بينما ...

(مقاطعاً) أريد أن أقول لك شيئاً، منذ عشرات السنين نحن نعرف في لبنان أن في مجلس الأمن دولاً لها حق النقض، ونعرف أن العديد من الدول كلما تحدثت أمامها عن إسرائيل تستعمل حق النقض.
هذا هو الوضع القائم اليوم في العالم. لن أقول أكثر من ذلك، يجب أن تنظر إلى الموضوع. لبنان استحوذ من قبل مجلس الأمن على عدد كبير جداً من القرارات. يمكن أكثر دولة في العالم استحوذت هذا الاهتمام من قبل مجلس الأمن منذ عام 2000 وحتى اليوم. ولكن مجلس الأمن لم يكمل المشوار. ليت مجلس الأمن يحاكم إسرائيل على الذي فعلته.

■ ألا تعتقد أن مجلس الأمن يركّز على قرارات معيّنة ويهمل أخرى؟

أكيد.

■ القرارات التي تستهدف دولاً عربية وجهات إقليمية يركّز عليها، بينما في كلّ ما يخصّ إسرائيل هناك ازدواجية في معايير مجلس الأمن. ألا تعتقد؟

لا شك في ذلك. موضوعياً لا يمكن إطلاقاً أن نقول إن حماية إسرائيل من قبل الدول الكبرى التي لها حقّ النقض في مجلس الأمن على وشك أن تزول. هذا أمر ساطع. وهناك ما هو أعمق من ذلك، فالمسألة الفلسطينية في جوهر الموضوع ككلّ. وأكبر المتضررين من عدم حلّ المشكلة الفلسطينية هو لبنان. انظر إلى كلام نتنياهو عن إلغاء حقّ العودة وكلامه عن يهودية دولة إسرائيل. من كان أول من تكلّم؟ ليس حزب الله بل بعض الزعماء المسيحيين.

■ الذين نبّهوا من التوطين؟ أو من ادّعى بأن التوطين «فزّاعة»؟
لا فالدستور يذكر بأن التوطين مرفوض: لا تقسيم ولا توطين. وأريد أن أقول لك شيئاً. لنذهب أبعد من ذلك، أنا لبناني لي تراث وتاريخ وجغرافيا وشعب. لماذا أتنازل عن حصص وشقف وأراضٍ من لبنان لأشخاص ليسوا لبنانيين؟ لأقل لك أكثر من ذلك، إسرائيل شنت خمس حروب لتقبل الدول العربية بها. مليارات من الدولارات لتقبل الدول العربية أن تقول لنتكلم مع إسرائيل ولم تتكلم معها.
هل يجوز أن نعيش نحن خارج المحيط العربي هكذا بلا سبب. الثقة تنطلق من نظرة فعلية وعملية وثاقبة للفريق الآخر ولقناعاته. من قال لك إننا زلم إسرائيل أو زلم أميركا؟ فشر! فشر! ولكن نحن نعرف أيضاً أن لدينا استقلالنا ولدينا حرّيتنا. وعندما نشعر أن المناخ متأزم بسبب السلاح نشعر وكأن الحرية في خطر.


في مثل اليوم الذي أجريت فيه المقابلة (22 حزيران) من عام 1966، الساعة الثانية بعد الظهر، بتوقيت العاصمة الفرنسية باريس، ناقش إبراهيم نجّار أطروحة الدكتوراه. كان يومها في الرابعة والعشرين. ويعتبر نجار هذا اليوم من أبرز أيام حياته لأنه أدخل إلى القانون الفرنسي مفاهيم جديدة عدّلت في النظرية العامة للموجبات والحقوق