محمد زبيبتصرّ قوى المعارضة على تظهير نفسها موحّدة، لكنها في الواقع ليست كذلك. فهي أشبه بتحالف انتخابي دائم، يسعى إلى اقتطاع حصص لمكوّناته من كل أمر يتصل بالسلطة، حصص لا يمكن نيلها بالمفرّق، أو لا يمكن أيّ مكوّن أن ينال مثلها إذا مال منفرداً نحو الأكثرية النيابية أو اختار اسماً «وسطياً» له أو «مستقلاً»... ولذلك بدا دائماً كأنّ مطلب «الثلث المعطّل» هو البرنامج الوحيد الذي يوحّد هذه المعارضة ويسيّرها، وهذا ينطبق خاصة على تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، الذي لم يرتق إلى مستوى الجبهة، على الرغم من كل هذه «الحميمية» التي باتت تحكم العلاقة بينهما.
لا يملك هذا التحالف أيّ برنامج سياسي مشترك معلن أمام الناس. فوثيقة التفاهم، على أهميتها، لم تجسّد مثل هذا البرنامج المطلوب، فهي كانت ضرورية في حينها لتبرير التلاقي بين خصمين سابقين لم يربط بينهما إلا الحاجة المشتركة إلى إطار يتجاوز الحدود الطائفية في مواجهة إطار آخر قام بالمثل وبدا أنه قادر على محاصرة كلّ منهما في ساحته الطائفية، بمعنى أن وثيقة التفاهم أدّت وظيفتها إلى حدّ ما، وباتت العلاقة القائمة بين طرفيها تتجاوز كثيراً الأهداف التي أملت مضمونها.
لقد نجح الإطار الآخر في مصادرة ما يسمّيه برنامج «العبور إلى الدولة»، ونجح بالتالي في البقاء في حال الهجوم الدائم والمستمر، مدّعياً امتلاكه الإجابات كلها... فيما إطار المعارضة اضطر إلى البقاء في حال الدفاع من دون أن يكون قادراً على ادّعاء امتلاكه للإجابات: ما هو موقفه من مشروع بناء الدولة؟ أي دولة يريد؟ ما هي هويتها؟ كيف يمكن المزاوجة بينها وبين المقاومة؟ أيّ اقتصاد ينسجم مع هذه الدولة؟ ما هي وظائفه وأهدافه؟ أيّ دور للدولة فيه؟ كيف يمكن التصدّي لمشكلات التفاوت الاجتماعي والمناطقي؟ ما هو الموقف من الهجرة والنظام النقدي والنظام الضريبي؟ أسئلة كثيرة لا إجابات محددة عنها، وهذا كان فاضحاً في الانتخابات الأخيرة عندما فشلت مكوّنات هذه المعارضة في الردّ على الصورة التي ظُهّرت بها، باعتبارها تحمل مشروع الفوضى والخراب والتبعية والعداء لمبدأ وجود الدولة المركزية القوية والقادرة.