دينا حشمت
ينتمي إلى جيل فضّل دوماً الحديث في الشأن العام على وصف المصائر الفردية. «لم يكن لديّ أيّ شيء مميّز في هذه الفترة المبكّرة» يجيبني عندما أطلب منه أن يحكي عن طفولة قضاها في إحدى قرى الصف (50 كيلومتراً جنوبي القاهرة). اليوم، يسكن فهمي هويدي ضاحية مصر الجديدة التي ما زالت شوارعها تحتفظ بنكهة الماضي. يحب المواعيد الدقيقة والأشياء المرتّبة بعناية. «لا خصوصية لقصص طفل ترعرع بين 9 أخوات»، يقول شارحاً: «نفر في طابور طويل من الناس». لكن، شيئاً فشيئاً، يتذكّر فهمي هويدي غياب الأب الدائم وإمساك الأم بزمام أمور «مؤسسة الأسرة الصغيرة». كان هويدي الأب من مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين، قضى سنوات طويلة معتقلاً ومنفياً في الصعيد. لم يحتج الأبناء إلى أي ضغط منه ليلتحقوا بالجماعة.. «كانت البيئة دافعة إلى ذلك».
اعتُقل فهمي هويدي في سن السادسة عشرة «بسبب انتماء الوالد» مثلما اعتُقل أخوه وزوج أخته. اعتُقل وهو على أبواب كلية الحقوق. عندما أطلق سراحه ـــــ بعد سنتين ـــــ اختار «خطاً مستقلاً ولم ينخرط من جديد في التنظيم الإخواني، ولا في أي مجموعة سياسية أخرى. خرج «من دون مرارة»، يقول: «لم أتعرّض لتعذيب يُذكر. هناك مَن خرج بطلاً. أنا لم أكن بطلاً». ورغم أنّ أباه كان يعمل في النيابة، وأنّ «للمحامين والقضاة الكبار شيئاً وجيهاً»، لم يتحمّس كثيراً للحقوق، ولم يختر دراستها إلا لأنّ مجموعه لم يسمح له بدخول كلية الطب التي كان يأملها له أهله. سرعان ما انتقل «إلى موود مختلف تماماً». هكذا، وجد نفسه في الجامعة يكتب في مجلات الحائط وانجذب رويداً إلى عالم الصحافة. وبعد سنتين من خروجه من المعتقل، سنة 1958، بدأ العمل ــــ وهو بعدُ طالب ــــ محرراً في «جريدة الأهرام» التي كان يرأس تحريرها آنذاك محمد حسنين هيكل.
«كنت متفائلاً بعبد الناصر وسياسته الخارجية، لكني لم أكن مرحّباً بالطبع بالاعتقالات والتعذيب». كان يعمل آنذاك في قسم الأبحاث ثم في «الديسك» المركزي، قبل أن يصبح سكرتير تحرير الجريدة. لكن «الأهرام» يُنظر إليها دائماً أنها «بوق للدولة» ولم يكن ذلك ليسمح «باستقلال حقيقي». عندما بدأ بكتابة أعمدة رأي بعد وفاة عبد الناصر، بدأت المشاكل: «الرئيس السادات لم يعجبه كثير من كلامي. نُصحت بأن أترك «الأهرام» بعد مقال كتبته في نقد قول الشيخ الباقوري بأنّه لا بد من أنّ يُنتخب السادات لمدى الحياة».
ترك فهمي هويدي البلاد إثر هذه الأزمة وسافر إلى الكويت. مكث هناك 7 سنوات وعمل في صحف شهرية، ما مكّنه من الاستراحة من ضغط متابعة الأخبار اليومية. هناك، انفتح على العالم العربي والعالم الإسلامي. وعاد إلى مصر بعد وفاة السادات. «لم يرحَّب بي في «الأهرام» بصفتي كاتب رأي، لكنّي أصررت وبدأت أكتب كل يوم ثلاثاء، واستمررتُ على هذا المنوال كل أسبوع، حتى حُفر لي هذا المكان، يوم الثلاثاء».
يكتب صاحب «عن الفساد وسنينه» في «الأهرام»، بالإضافة إلى عموده في جريدة «الشروق الجديد»، بعدما ترك «الدستور»، ويعاد نشر مقاله في صحف عربية عدة. يتساءل عن «ألغاز» تنازل إسرائيل عن موقفها المعارض لترشيح وزير الثقافة المصري، فاروق حسني، لرئاسة الأونيسكو، وعن أسباب تفوّق فريق كرة القدم المصري وفشل قيادة البلاد السياسية. يُذكّر القارئ بأن الانتخابات في إيران «حقيقية وليست تمثيلية انتخابية». يسخر من لهفة الإعلام المصري وراء «أوباما المنتظر كأنّ المستقبل كله في أيديه».
رفض فهمي هويدي حضور لقاء صحافي مع الرئيس الأميركي بعدما اكتشف مصادفةً وجود صحافي إسرائيلي بين الإعلاميين الثمانية المدعوين... وما زال متشبّثاً باستقلاليته. يدعم تارة مواقف الشيخ يوسف القرضاوي التي يراها مستقلةً عن الحكومات العربية وينتقده تارة أخرى قائلاً إنّ «المد الشيعي» الذي تحدّث عنه ليس سوى وهم «حاجة زي العفريت كده». يجد نفسه أحياناً في خندق واحد مع مثقفي اليسار ويشارك أحياناً أخرى في حملات على روايات تمسّ المعتقدات ـــــ من وجهة نظره ـــــ موبِّخاً مَن ينسى أن «دين الدولة هو الإسلام». «لم يكن الاعتراض على رواية «وليمة لأعشاب البحر» بل على الدولة لأنّها هي التي نشرتها. دافع الضرائب المصري لا ينبغي أن يتحمّل عبء إصدار هذا النوع من النصوص» يقول فهمي هويدي عن الأزمة التي فجّرتها رواية حيدر حيدر سنة 2000. ويضيف صاحب «المفترون: خطاب التطرف العلماني في الميزان»: «ماذا تعني حرية التعبير؟ ولماذا لا تختبر إلا في الاشتباك مع المعتقدات؟ لا بد من أن تختبر في الاشتباك مع النظام السياسي، مع الاستبداد».
اليوم، ما زال فهمي هويدي يحتفظ بقدرته على المشاغبة رغم أنه يعلن عكس ذلك: «لست مشاغباً، حتى بحكم السن». استُبعد من «الأهرام» بعد 50 عاماً من العمل في الجريدة: «أرسل لي مسؤول صفحة الرأي رسالة من سطرين: عقدك انتهى». يصعب أن يتّخذ هذا المسؤول مسلكاً قانونياً في مواجهة إجراءات مماثلة، إذ «بوسع مؤسسة«الأهرام» أن تقول إنه لم يفسخ العقد. لا أملك خطاباً رسمياً، لديّ خطاب من مسؤول صفحة الرأي، وهو ليس مخوّلاً إنهاء عقود العمل». تذكّره هذه «الحيل» بتلك التي كان يستخدمها رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير الأسبق: «عندما كان إبراهيم نافع يريد أن يمنع مقالاً لي، كان يؤجّله؛ كان يعلم أنه يُنشر في ست أو سبع دول عربية».
«لست مشاغباً»، يقول مصرّاً ويذكّر بأنّه لم ينتخب في أي هيئة «إلا في نقابة الصحافيين ونادي هليوبوليس». لكنه لا يفوّت فرصةً لكشف نفاق الادعاءات الرسمية والأميركية. لذا قرر قبول عرض «الأهرام» بأن يستمر في الكتابة مرة كل أسبوعين، لأن «هناك عقداً مع القارئ».


5 تواريخ

1937
الولادة في الصف (جنوبي القاهرة)

1958
التحق بقسم الأبحاث في جريدة «الأهرام»

1960
تخرّج من كلية الحقوق

2007
صدور «خيولنا التي لا تصهل» كتاب يجمع مقالاته، 19 عاماً بعد «إيران من الداخل»

2009
يواصل الكتابة في «الأهرام» مرة كل أسبوعين