ورقة الامتحانات الرسمية تسقط في يد القطاع الخاص! هذا ما استنتجه أساتذة التعليم الرسمي من تحضيرات متكتمة تقوم بها الوزارة لتأليف لجنة من خارج الجسم الرسمي لمراقبة حسن سير الامتحانات الرسمية!. ومع أنّ الغموض لا يزال يلفّ ظروف تأليف هذه اللجنة، فإنّ الأساتذة يتساءلون عما إذا كانت وزارة التربية تتخلى عن مسؤوليتها القانونية عن الامتحانات تحت ستار الشراكة التربوية؟
فاتن الحاج
في غمرة الشراكات المتعددة مع القطاع الخاص، وما أنتجته من بنية بديلة للدولة، وما يعنيه ذلك من عجز.. رسمي عن إقامة المؤسسات وحسن تسييرها، يتسلّل إعلان وزارة التربية عن تأليف لجنة محايدة لمراقبة الامتحانات الرسمية بهدوء، في أروقة الوزارة. هكذا، تتوالى اجتماعات لبلورة أفكار كثيراً ما ضغطت المؤسسات التربوية الخاصة لتحقيقها، دون أن تنجح، ولا سيما إشراكها في مراقبة الامتحانات الرسمية، المحطة الوحيدة التي لم يدخلها القطاع الخاص بعدما بات موجوداً في اللجان الفضفاضة للأسئلة والتصحيح وإصدار النتائج. أما الحجة، «فلكَي لا يشكّك أحد في شفافية الامتحانات» كما قالت بهية الحريري، وزيرة التربية، التي لم يكن مكتبها يجيب، في اجتماعاتها. ويبرّر الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب مروان تابت طلبهم بالتدخّل، بما نقله إليهم ...طلابهم عن فوضى قاعات الامتحانات وعمليات غش وتزوير تحصل هناك، ولذلك أرادوا «مرافقة» الامتحانات كما يقول. ومعروف أن عدد المتقدمين إلى الامتحانات الرسمية في المدارس الخاصة أكبر من مرشحي المدارس الرسمية. وإذا كان هناك ثمة حديث عن فساد في المراقبة، فكيف يمكن لجنة مماثلة أن تضبطه؟. وماذا يعني أن تفكر وزارة التربية والتعليم العالي في تأليف لجنة من خارج الجسم الرسمي لتراقب مراقبة الأساتذة في التعليم الرسمي؟ أليست هذه مهمة الوزارة؟ وهل يعني هذا أنّ الوزارة تتخلى عن مسؤوليتها؟ هل هو إقرار بملاحظات المسؤولين عن القطاع التربوي الخاص بشأن تقصير القطاع الرسمي في أداء واجبه للحفاظ على مستوى الشهادة الرسمية؟ أم أنّ الأمر يندرج في إطار وضع اليد على الورقة الأساسية الوحيدة التي تثبت من خلالها الوزارة سلطتها على التعليم الخاص، أي الامتحانات الرسمية؟ وماذا عن إشراك روابط أساتذة التعليم الرسمي في هذه اللجنة لو كانت ضرورية؟ وهل يسمح القانون بإنشاء لجنة كهذه؟
أسئلة كثيرة تدور في رؤوس الأساتذة الرسميين، وخصوصاً أنّ الصورة لا تزال ضبابية بشأن صلاحيات هذه اللجنة ومَن تضم. لكن المفارقة أنّ رئيسة رابطة المعلمين الرسميين عايدة الخطيب لا ترى أنّ هناك مشكلة في مثل هذه اللجنة، ما دامت لن تكون لها أية صلاحية سوى رفع تقرير يتضمن ملاحظات، على غرار عمل لجنة الإشراف على الانتخابات النيابية!!! والشرط الأساسي، في رأيها، أن تكون الروابط شريكاً أساسياً، وتنقل الخطيب عن الحريري أنّ «اللجنة ستضم وزارة التربية والمؤسسات الخاصة وروابط الأساتذة في التعليم الرسمي ونقابة المعلمين والمجتمع الأهلي».
علماً بأنّ الوزارة لم تطلع الأساتذة وروابطهم رسمياً حتى الآن على تفاصيل ما يجري. وتقول الخطيب إنّها أبلغت الحريري أنّ القطاع الرسمي يرفض أن تكون اللجنة من القطاع الخاص فحسب، لما يعني ذلك من تشكيك الوزارة في مناقبية المعلمين. لكن الحريري «طمأنت الأساتذة»، بحسب الخطيب، وقالت: «هيدي اللجنة من شان ما يروح جهدكم ضيعان وكل ما في الأمر أنّها لجنة إشراف من الخارج لقطع الطريق على أي شخص قد يدعي غياب الشفافية ». وترى الخطيب أن اللجنة لا تزال مجرد فكرة قد يُستغنى عنها إذا تبين أنّها ليست عملية. أما الحريري، فقد برّرت في اجتماع مع المؤسسات التربوية الخاصة الاستعانة بالقطاع الخاص بالقول: «هؤلاء الأولاد هم أولادنا جميعاً وهذه العملية ليست دخولاً في الصلاحيات القانونية للوزارة بل هي عهد بيننا جميعاً»،! ثم خاطبت المجتمعين: «تعالوا وواكبوا معنا الإجراءات الهادفة لمواكبة الامتحانات والتصرف بصورة فورية عند بروز أدنى خلل»! دون أن توضح ما هي هذه الإجراءات.
قد لا يبدو الكلام غريباً من الوزيرة المؤمنة بالقطاع الخاص، ولو كانت بصفتها الوزارية مؤتمنة على حسن سير التعليم الرسمي، بما في ذلك الامتحانات الرسمية، فيرتفع مستواه ليستغني المواطن عن أي تعليم خاص لو أراد.
أما مقولة الشراكة بين القطاعين الرسمي والخاص لإعطاء فرص متساوية للطرفين كما تقول الوزيرة، فأمر مردود، لكون التعليم الرسمي خدمة للمواطن وحق لدافع الضرائب.
بكل الأحوال، تلقّفت الوزارة، على حد تعبير الأب تابت، طلب إشراك اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في مراقبة الامتحانات. ويلفت تابت إلى «أننا سنرفع هذين اليومين إلى المدير العام للتربية فادي يرق أسماء ممثلي الاتحاد في اللجنة، على أن نجتمع نهاية الأسبوع الجاري لبحث الآليات والصلاحيات». نسأل: من ستضم اللجنة؟ فيجيب تابت «لم نتفق بعد. سيُبحث الأمر في الاجتماعات المقبلة». لكنّ يُنتظر، كما يقول، أن تضمّ المدير العام بوصفه رئيس اللجان الفاحصة في الامتحانات الرسمية، ودائرة الامتحانات الرسمية والتفتيش التربوي وأعضاءً من اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، وربما مسؤولي المناطق التربوية. ماذا عن روابط أساتذة التعليم الرسمي الذين ستراقبهم هذه اللجنة؟ يرى تابت أنّ وزارة التربية تمثّل هؤلاء. هنا يعلّق رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب: «لو أنّ الوزارة تمثّلنا لما كانت هناك روابط للأساتذة، ثم إنّ الوزارة مسؤولة عن التعليم في لبنان، وبالتالي عن القطاعين الرسمي والخاص، ولا يجوز أن تتخلى عن مسؤوليتها»!