منذ شهرين والأدوية «متبخّرة» من عيادات الأونروا في عين الحلوة، أكبر التجمعات الفلسطينية. قد يكون ذلك ترجمة لما تتناقله الألسن، عن اتجاه الأونروا لتقليص خدماتها، لتصل في عام 2011 إلى أقل من عشرها. فما صحة ذلك؟
سوزان هاشم
خاليةُ الوفاض، تخرج الحاجّة راوية من إحدى عيادات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» في عين الحلوة، حاملةً وصفتها الطبية، الممهورة بأمراض السكري والقلب والضغط التي بات مستعصياً التغلب عليها، بعدما أبلغتها إحدى موظفات «الأونروا»، أن أدويتها غير متوافرة، حالها حال بقية أدوية الأمراض المزمنة التي كانت تؤمّن مجاناً في السابق والتي فقدت حالياً، وجلّ ما بقي منها على رفوف صيدلية العيادة، أدوية المسكّنات الخفيفة، الزهيدة الثمن التي يمكن على حد قول الحاجّة، لأي فلسطيني تأمينها من أي صيدلية.
واقعٌ يدفعها إلى الانطلاق برحلة الألف ميل للبحث عن الداوء الذي يستحيل عليها شراؤه، نظراً لحالتها المادية المزرية. وأول خطوة ستنطلق منها الرحلة، هي طرق أبواب جمعيات المجتمع المدني، وما توفّره من محسنين، وإلا فقلبها سيتوقف عن الخفقان.
ليس بعيداً عن تلك الحاجّة يقف مروان حمد وعلامات الغضب بادية على وجهه. فهو قد خرج للتوّ من صيدلية العيادة، حاملاً ورقة «الروشته» التي بقيت أدويتها الموصوفة حبراً على ورقها، دون أن «تتجسد» علباً وحبوباً بين يديه المرتجفتين. يقول بمرارة «وضعنا يواصل التقهقر»، مضيفاً «حتى في مستشفياتنا شحّت الأدوية وباتت تطلب تأمينه من الخارج، أما صيدلية منظمة التحرير، فلا يستفيد من تقديماتها سوى المنتسبين إلى المنظمة». لكن يبدو مروان أفضل حالاً من تلك الحاجة، والفضل «إلى ولدي المسافر إلى الخارج، الذي سيتكفل بثمن الدواء».
هكذا إذاً، منذ حوالى شهرين فقدت الأدوية المجانية من عيادات الأونروا، التي كان يلجأ إليها معظم المرضى الفلسطينيين للحصول على ما تقدمه من أدوية لم تعد متوافرة بحسب ما يقول أحد الأطباء سوى ما كان منها «زهيد الثمن كالبنادول (مسكن أوجاع الرأس) والأمبيسيلين، فيما تغيب أدوية الأمراض المزمنة المتوسطة والباهظة الثمن عنها، والتي يحتاج لتناولها قسم كبير من اللاجئين يومياً، كداوء السكري والقلب والضغط وغيرها».
بيد أنه بالرغم من الصرخة العارمة التي يطلقها اللاجئون، يقول أحد مسؤولي الأونروا في المخيم لـ«الأخبار»، إن الأمر «مبالغ فيه من جانب هؤلاء الناقمين على الأونروا»، نافياً أن يكون هناك أزمة فعلية، موضحاً أن توزيع الأدوية على العيادات يستلزم القيام «بإجراءات روتينية»، لم يحدد سبب عدم القيام بها.
هذا وقد برر مدير قسم الصحة في «الأونروا» لأحد الفصائل الفلسطينية، بحسب ما أفاد «الأخبار»، أن فقدان الدواء يعود لسببين: الأول مادي يتعلق بارتفاع أسعار الأدوية عالمياً، مع أن موازنة العام المنصرم للقسم الصحي في وكالة الأونروا في لبنان أظهرت وجود فائض يقارب 15 ألف دولار. أما السبب الثاني، يتابع المصدر عينه، نقلاً عن المدير، فهو أن قسم الصحة في الوكالة في دول المتوسط ألّف لجنة، للقيام بدراسة بشأن فعالية الأدوية التي توزعها الأونروا، ما أخّر توزيعها.
بيد أن السبب الحقيقي بحسب ما تكشف بعض المصادر، نقلاً عما صرح به أحد مسؤولي «الأونروا» في اجتماع مع اللجان الشعبية أخيراً، هو اتجاه الوكالة نحو مشروع تقليص ميزانيتها على مرحلتين. ما سيصيب الخدمات المقدّمة للاجئين الفلسطينيين مباشرة. إذ ستنخفض نسبتها في المرحلة الأولى من 60% إلى 12%، أما النسبة الباقية فستدفع رواتب لموظفي الوكالة، التي ستبقى على حالها دون أي زيادة.
وفي المرحلة الثانية التي ستبدأ سنة2011، ستتضاءل الميزانية بشكل ملحوظ، ما سيعدم الخدمات المقدمة التي ستصل إلى حدود 7%، والسبب هو أن الدول المانحة خفضت تقديماتها للوكالة عن السابق.
«هو خفض تدريجي وممنهج للخدمات من أجل إلغاء هذه المنظمة، التي أنشئت لهذه الغاية»، يقول معلّقاً مسؤول جمعية الغد في عين الحلوة عاصف موسى، مردفاً أن «الأونروا» هي الشاهد الحي على قضية اللاجئ الفلسطيني، والمطلوب الآن إعدامها من أجل تسليم شؤون اللاجئين إلى الدول المضيفة، تمهيداً للتوطين، معتبراً أن المشكلة ظاهرها مادي، ومضمونها سياسي.
من جهته هدد مسؤول لجان حق العودة في الجنوب فؤاد عثمان، بأنه إذا صُدّق على مشروع تقليص ميزانية «الأونروا»، فإن المخيمات في لبنان ستشهد تحركات شعبية سلمية غاضبة لم يسبق لها مثيل، من الإضراب مروراً بالتظاهرات حتى العصيان المدني، محذراً في الوقت عينه من استمرار أزمة الدواء، التي تهدد حياة آلاف اللاجئين الفلسطينيين.