نهار السبت، استضاف «سوق الطيب»، في منطقة الصيفي، أطفالاً قضوا، بعد أسبوع دراسي طويل، وقتاً نوعياً مزجوا خلاله المتعة بالفائدة، إذ استطاعوا الترفيه عن أنفسهم باللعب وبالرسم وبالاستماع إلى الأنغام الموسيقية والقصص المشوقة، في الهواء الطلق
سمية علي
اعتاد معظم الأطفال ارتياد الملاهي أو زيارة الأصدقاء أو حتى الاكتفاء بمشاهدة الرسوم المتحركة في يوم العطلة، إلا أن بعضهم رافق والدته أول من أمس إلى «سوق الطيب»، ليس لشراء الخضار، بل لزيارة قسم أنشئ لهم خصيصاً، «على مقاسهم».
يجلس عدد من الأطفال تحت شجرة كبيرة، لم تستطع أشعة الشمس القوية ولا حركة الكبار المتنقلين لشراء المنتجات الزراعية من أقسام السوق المختلفة، أن تشتت انتباههم أو أن تمنعهم من متابعة أحداث قصة «سيسي ملاقط». كان تفاعل الأطفال مع الراوية واضحاً، إذ رددوا بصوت عال ما قالته الراوية التي أعطت كل طفل ملقطاً كتذكار من بطلة القصة، بعد انتهائها من السرد.
فضّلت سارة وضع الملقط الأحمر الذي حصلت عليه في شعرها «لكي أصبح تماما كسيسي». بعدها كان للأطفال مفاجأة تمثلت باختيارهم لإحدى القصص وقراءتها لاحقاً على انفراد. «أين أصابعي؟» هي القصة التي اختارها سليم حلاوي، واعداً بأنه سوف يقرأها في المنزل بمساعدة والدته التي تروي له دائماً قصصاً جميلة. أما روني أبو شقرا، فقد أدرك في ذلك اليوم أن الاستماع إلى القصص أمر ممتع تماماً كالذهاب إلى مدينة الملاهي!
لحظات وغادر الأطفال عالم الكلمات إلى عالم الموسيقى حيث تجمعوا أمام فرقة ACS band التي أضفت جواً من المتعة والمرح من خلال عزفها لعدد من السيمفونيات الجميلة. استمع أدهم الغصيني إلى عزفهم مصفقاً بحرارة ومشيراً بيده الصغيرة إلى عازف الكمان وهو يطلب من والدته أن تشتري له تلك الآلة الموسيقية لأنه قرّر أن يتعلم استخدامها ليصبح عازفاً في ما بعد. بالقرب منه يتفاعل أصدقاؤه مع الأنغام الموسيقية من خلال أداء بعض الحركات الراقصة كالدوران والقفز عالياً. تقف سارة حبيب تحمل هاتف والدتها وتصوّر أعضاء الفرقة الموسيقية وهم يعزفون لتحمل الصورة إلى شقيقتها التي لم تستطع مرافقتهم. تبتسم قليلاً وتقول: «الموسيقى كتير حلوة، أحلى من الكتب».
لم تقتصر النشاطات المخصصة للأطفال في سوق الطيب على الاستماع إلى القصص والموسيقى، بل شملت أيضاً أنشطة أخرى كالرسم والتلوين. ينظر محمد دوردة إلى الورقة البيضاء أمامه ثم يختار قلم تلوين أحمر ليرسم قلباً كبيراً، ويقول بصوت منخفض: «هذا القلب الأحمر الذي رسمته هو هدية لوالدي الذي أحبه كثيراً». أما نور عبد الصمد، فقد قررت رسم ورود ملونة تشبه تلك التي ابتاعتها والدتها من قسم الشتول الطبيعية في السوق. بالإضافة إلى الرسم، أتيح للأطفال التعبير عن أنفسهم من خلال القيام ببعض الأعمال اليدوية كالرسم على الخشب أو اختيار شكل يرسمونه على وجوههم كالفراشة التي زينت وجه ريان. تظهر علامات الرضى على وجه المسؤولة عن قسم القراءة في سوق الطيب رانيا الزغير، وخصوصاً لجهة اندماج الأطفال في كل الأنشطة «ربما لأنهم قرأوا كتاباً في الهواء الطلق بعيداً عن جدران الصف» كما ترجّح، مشيرة إلى أن القراءة في سوق الطيب هي ترفيه قبل أن تكون تعليماً. فالهدف الأساسي من المشروع، على حد تعبير رانيا، هو إخراج الكتاب إلى الشارع ووضعه في أيدي الأطفال ليشعروا بأن القراءة هي لعبة أيضاً يستطيعون مزاولتها في الحديقة بمشاركة الأهل والأصدقاء. بعد انتهاء النشاطات رافق الأطفال ذويهم في جولة صغيرة في السوق، فتعرفوا إلى منتجات وطنهم كالخضار المتنوعة والحبوب وحتى المأكولات اللذيذة كالفطائر والمربى. خلال تلك الجولة، كان مشهد المرأة التي تقوم بإعداد منقوشة الصاج، هو أكثر ما لفت انتباه روني أبو شقرا الذي تأملها طويلاً قبل أن يهمس لوالدته قائلاً: «بتشبه التاتا».
أما رولا، فقد ابتاعت شتلة ورد صغيرة واعدة أمها بالاعتناء بها لتنمو وتصبح كبيرة مثلها. في سوق الطيب، امتزج عالم الصغار بعالم الكبار، إذ شارك الأهل أولادهم لذة القراءة والرقص، وبينما رافق الأولاد ذويهم في رحلة البيع والشراء، التي انتهت ببكاء بعض الأطفال على باب السوق رافضين المغادرة، وبجملة تكررت على ألسنتهم جميعاً: «ماما جيبينا لهون مرّة ثانية».


على وقع الأنغام الموسيقية، قامت ناتالي الأشقر بالرقص مع صديقها. تحب ناتالي الموسيقى كثيراً، فهي تستمع إليها دائما، بالإضافة إلى أنها تحفظ كلمات عدد من الأغاني الفرنسية التي ترددها بجرأة على مسامعنا «لأنو بعدين بدي صير مغنية مشهورة»


«نقار الخشب» هي أجمل ما قرأه مجدي شزبك من قصص. يشير الطفل إلى أن تلك كانت المرة الأولى التي يستمع فيها إلى قصة وهو جالس تحت الشجرة، وهو أمر وجده ممتعاً. وهو شعر بفرح كبير لمرافقة والديه إلى السوق حيث «شفت كيف بيشترو غراض البيت»


الهدف
مساحة ترفيهية


يرى كمال مزوّق مؤسس «سوق الطيب» أن الهدف من وراء استحداث قسم خاص بالأطفال داخل السوق هو خلق مساحة ترفيهية يستطيع الطفل من خلالها تمضية وقت ممتع برفقة صديق أو قصة أو ريشة تلوين، مشيراً إلى أنه ابتداءً من حزيران سيتنقّل السوق في عدة مناطق لبنانية ضمن «مهرجانات أكل وعيد».