البترون ــ فريد بو فرنسيسلم يعد البيت مهجوراً. بعد سنواتٍ من الإهمال، عاد «البيت اللبناني» البتروني إلى الحياة، بعدما كان لفترةٍ قريبة ملجأً للعناكب والفئران. لم تكن العودة حدثاً عابراً في المنطقة المفتقرة إلى أي مرافق تنشّط الحياة الاقتصادية فيها. كان أثر ذلك مزدوجاً، إذ أسهمت العودة في تنشيط الحركة السياحيّة في البترون وفي تأمين فرص عمل وحياة لائقة لنحو 500 عائلة هناك. لكن، هذا البيت الذي لم يعد مهجوراً، لم يعد أيضاً مخصّصاً للضيافة كما كان سابقاً، فقد حوّلته جمعيّة «بترونيات» العاملة في المنطقة، بالاتّفاق مع دير راهبات العائلة المقدسة التي كانت تملكه، إلى بيت للمونة البترونيّة، وهي لا تختلف عن المونة اللبنانية إلّا في أنها تشغّل محلياً عائلات المنطقة المحتاجين إلى البقاء فيها.
وقبل أن يكون بيتاً للضيافة وقبل أن يصبح بيتاً للمونة أيضاً، كان المكان، منذ حوالى مئة عام، مستشفىً تابعاً لراهبات العائلة المقدسة. لكن، لم يكن ثمّة ما يوحي أنّه كان بيتاً.
فجدرانه المتآكلة التي تغيّر لونها إلى الأسود، اختفت تفاصيلها خلف العشب البري الذي اجتاحها. وفي الداخل، تحوّل لون الجدران الباقية إلى الأصفر، فيما سقط الدهان أرضاً بفعل الرطوبة القوية.
أما اليوم، فهو «معرض دائم للمونة، وهذا ما أردناه»، يقول مدير البيت شربل الشاعر. وليس هذا فقط، فقد «أمنّا من خلاله العمل لحوالى 500 امراة بترونية، تقدّمن بطلبٍ إلى الجمعيّة وعرضن نماذج من منتجاتهنّ المنزلية». ويشير الشاعر إلى أنّ «الجمعيّة تشتري هذه المنتجات ومن ثمّ تفحصها قبل تعليبها وتغليفها في سلال من القصب صُنعت لهذه الغاية من أجل تسهيل تسويق المنتجات، ودفع المستهلك لشرائها». يحتضن هذا البيت منتجات كثيرة من الصعتر الأخضر البري إلى جميع أنواع المخلّلات والمشروبات الطبيعيّة. وتشير مسؤولة المستودع في البيت وديعة رزق إلى أنّ «المعرض يضمّ اليوم أكثر من 48 صنفاً من المنتجات الزراعية البلدية والبيتية»، متوقّعة «ازدياد كمية المنتجات البيتيّة في أقرب وقت ممكن». لكن، هذا المكان الذي أرادته جمعية «بترونيات» بيتاً للمونة، تحوّل مع الوقت إلى استراحة تعجّ بالزوار... ومحبي «المنقوشة بالصعتر» على الصاج، وعشّاق النارجيلة والقهوة والشاي الأخضر. ومن يزُر المكان الآن، يلاحظ هذا التحوّل. فالأرض المحيطة به، التي تبلغ مساحتها حوالى 7 آلاف متر مربع، عملت الجمعيّة على تنظيفها من الأعشاب ومن الأوساخ، وأحاطتها بسورٍ حديدي كي تمنع دخول «المتطفّلين» إليها. ويحرص المسؤولون عن البيت، إضافةً إلى حمايته من المتطفّلين، أي السارقين، على تحقيق هدفين، بحسب ما تشير مسؤولة الاستقبال هناك ريبيكا بشاره. أما الهدف الأوّل «فهو حسن الاستقبال، والثاني تزويد الزوّار بشرحٍ مفصّل عن المنتجات المعروضة على الطاولات وكيفية صناعتها».
إذاً، «البيت المهجور لم يعد كذلك»، هذا ما تؤكّده بشارة، وقد أصبح مقصداً للكثير من الزوّار الذين يشعرون بأنّ زيارتهم «للبترون لن تكتمل بدون رؤية البيت».