صباح أيوبلماذا لا تتركونها وشأنها؟ لماذا لا تُشغَلون عنها بمنازلكم الصغيرة فيها؟ «مش أفيَد؟».
اتركوها وشأنها، فربما كانت لا تريد أن تكون وفيّة. ربما سئمت أن تكون أبيّة. ربما نسيت صبرها وتعبت من انفتاحها، وملّت من حزنها. من قال إنها تريد أن تكون ستّ الدنيا أو عاصمة المسيحيين المشرقيين أو معقل السنّة أو حصن الشيعة أو مرتع القوميين أو مرسى الفينيقيين؟ من قال لكم إنّها لكم أصلاً؟ هل لاحظتم كم هي مشمئزّة من السيّاح الجدد، ومنكم، ومن الحرية، ومن الديموقراطية، ومن كثافة الزبالة السكانية، ومن الحقيقة، ومن الحفريات، ومن «المجتمع المدني»، ومن وسطها البلاستيكي، ومن ضواحيها المجعّدة، ومن الحياة باسمها والموت لأجلها؟
هي تمقت رائحتها عند الصباح، وتُصاب بالصمم مع حلول الليل. لماذا لا تنامون من دون ضجيج، ولا تحيَون إلا على أرصفة تدبّق ببقاياكم النتنة؟ لماذا لا تشبعون من اغتصابها مع كل استراحة جفن؟ لماذا لا ترفعون أقدامكم عن سطحها المدمّى؟ لماذا لا تعلّمون أولادكم كيف يدللونها؟ لماذا تنسون «تحضّركم» لحظة هبوطكم على مدرَجها؟ لم لا تبقون في دبي وتورونتو وتولوز ولاغوس؟ لمَ الجلبة؟ اصمتوا قليلاً، فهي تريد أن تقول شيئاً. لم تعد السماء تكفي لأنفاسها، أوقفوا صخب تزايدكم! ... دعوها فقط تغازل كائنها الأزرق الذي لم يتعب من مداعبتها برفق مهما علا. هو الوحيد الذي يبوح لها كل يوم بسرّ لا يريد أن يكتشفه أحد غيرها: أتعرفين كم أنتِ جميلة؟