نديم حوري *قرار المحكمة الخاصة بلبنان، القاضي بالإفراج عن اللواء جميل السيد وثلاثة من كبار المسؤولين الأمنيين اللبنانيين، يُعد نصراً للمبدأ الأساسي القاضي بعدم احتجاز أحد لفترات مطولة دون نسب اتهامات إليه. والأثر السياسي والقضائي للقرار ما زال يتكشّف، إلا أنه نجح في تسليط انتباه الرأي العام إلى مثالب النظام القضائي اللبناني، التي أدت إلى احتجاز الجنرالات لمدة 44 شهراً. وفيما تركّز الكثير من الجدل على ما إذا كان حصل تدخل من جهات سياسية في مجريات القضاء، فإن النقاش مسّ أيضاً القوانين والممارسات التي سمحت بـ«توقيف احتياطي» مطوَّل كهذا بالمقام الأول. وقد سارعت وزارة العدل اللبنانية إلى عرض تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية لتعزيز القيود على تمديد فترة التوقيف الاحتياطي. وفيما يُعتبر التعديل المُقترح موضع ترحيب، إلا أنه غير كافٍ. فالمطلوب هو جهد إصلاحي أشمل يؤدي إلى تعديل أسلوب اعتماد القضاء اللبناني على التوقيف الاحتياطي.
ويدخل في صميم النقاش المدة التي يمكن للدولة فيها أن تحتجز أي شخص على ذمة التحقيق والظروف المحيطة بهذا الاحتجاز. والإجابة عن هذا السؤال ستكون ذات أثر على أغلب المحتجزين في لبنان. فطبقاً لإحصائيات قوات الأمن الداخلي، هنالك 3207 موقوفين في السجون اللبنانية لم يصدر حكم بحقهم (من أصل 5122 محتجزاً في السجون اللبنانية). ولا تُحدّد الإحصاءات المدة التي قضاها هؤلاء الأشخاص رهن الاحتجاز، لكن من مقابلات مع المحامين والمنخرطين بالعمل الاجتماعي الذين يزورونهم، يتبيّن أن الكثير منهم رهن الاحتجاز منذ فترة طويلة.
وطبقاً للمعايير الدولية، فإن الاحتجاز على ذمة التحقيق للأفراد، قبل نسب الاتهام إليهم بعمل جنائي وبعده، يجب أن يكون الاستثناء لا القاعدة. وهذا المنهج التقييدي لاستخدام التوقيف الاحتياطي منبثق من الحق في الحرية الشخصية والحق المُعترف به دولياً في افتراض براءة المتهم حتى ثبوت الذنب. والتوقيف الاحتياطي يجب ألا يُفرض كإجراء وقائي إلا في الحالات التي تحتاج مجريات العدالة فيها إلى ذلك، على سبيل المثال لمنع فرار المُتهم، أو للمحافظة على الأدلة، أو لاتقاء تجدد الجريمة. وفيما لم يحدد القانون الدولي مدة زمنية قصوى للتوقيف الاحتياطي، فقد وضع أدلة توجيهية واضحة تطالب السلطات بتبرير الاحتجاز على ذمة التحقيق، وأن تضمن أن هذا الاحتجاز يخضع لمراجعة السلطات القضائية على فترات منتظمة.
وفي لبنان، يعترف قانون أصول المحاكمات الجزائية بأن التوقيف الاحتياطي يجب أن يكون إجراءً استثنائياً، حتى وإن كان من حيث الممارسة يُعتبر هذا الاحتجاز مألوفاً ومتكرراً للغاية. وبموجب المادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فإن قاضي التحقيق يمكنه الأمر بتوقيف المشتبه فيه فقط إذا كان التوقيف الاحتياطي هو «الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الإثبات أو المعالم المادية للجريمة أو للحيلولة دون ممارسة الإكراه على الشهود». وفيما يحاول قانون أصول المحاكمات الجزائية أيضاً أن يفرض حدوداً زمنية على مدة التوقيف الاحتياطي، فقد خلّف بعض الثغرات الهامة.
لا تفرض المادة 108 من القانون حدوداً زمنية على مدة التوقيف الاحتياطي في الحالات التي يُشتبه فيها بأن الشخص ارتكب جريمة توصف بـ«جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل». وفيما لا نعرف كم من المحتجزين الحاليين يدخلون ضمن هذا الاستثناء ويجدون أنفسهم في السجن لسنوات فيما ينتظرون المحاكمة، فإن العدد يُرجح أن يكون بالمئات؛ نظراً لأن هنالك حالياً 3207 موقوفين لم يصدر بحقهم أي حكم بعد. وقد عرضت وزارة العدل الأسبوع الماضي تعديل المادة 108 لضمان أن التوقيف الاحتياطي في الجرائم الخطيرة له حد أقصى ستة أشهر، قابلة للتجديد مرة واحدة. وفيما يُعد التعديل المُقترح تعديلاً هاماً، إلا أنه يجب أن تصحبه إصلاحات إضافية. أولاً، يجب التصدي للثغرات الأخرى في قانون أصول المحاكمات الجزائية. وينبغي تحديداً على وزارة العدل أن تقترح أيضاً تعديل المادة 363 من القانون، وهي المادة التي تعفي الحالات التي ينظر فيها المجلس العدلي، وهو محكمة تنظر في القضايا الهامة أو التي توصف بأنها تهديد للأمن الوطني، من الالتزام بالحدود الزمنية المُحددة للتوقيف الاحتياطي.
ثانياً، والأهم، أن على الدولة أن تُعِد استراتيجية أوسع لتقليل حالات الاحتجاز لفترات مطولة على ذمة التحقيق. ومن شأن هذه الخطة أن تشمل: (1) تطبيق أكثر حزماً للمادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهي المادة القاضية بأن أي قرار للتوقيف الاحتياطي يجب أن يكون مُبرراً على أساس من «الأسباب الواقعية والمادية». (2) التركيز على إجراءات بديلة للاحتجاز من شأنها أن تضمن مثول المشتبه فيه أمام المحكمة، مثل دفع كفالة أو الذهاب دورياً إلى مركز الشرطة.
(3) ضمانات بأن بإمكان المحتجزين الطعن في توقيفهم في جلسات قضائية دورية.
ولا يمكن للسلطات اللبنانية أن تبرّر اعتقال الناس لفترات طويلة بسبب أن القضاء مُحمَّل بقضايا كثيرة أو لعدم كفاية الموارد. يمكن أن يعترض البعض قائلاً إن فرض سياسة أكثر تشديداً على التوقيف الاحتياطي قد يؤدي إلى إخلاء سبيل بعض المشتبه فيهم الذين فعلاً ارتكبوا جرائم. الإجابة عن هذا القول هي أن على القضاء ضمان حق كل متهم بمحاكمة عادلة وسريعة، كي يثبت ذنبه أو براءته. ويجب ألا يُحتَجز أحد لفترات مطولة دون الخضوع للمحاكمة. وهذه نقطة يمكن أن يتفق عليها اللبنانيون جميعاً.

* باحث في مجال حقوق الإنسان وناشط في منظّمة «هيومن رايتس ووتش»