«البنات همها للممات»، جملة ما زلنا نسمعها. رغم أن الكثيرين يدّعون أنهم لا يفرّقون بين الصبيان والبنات، إلا أنّ نسبة كبيرة من الأزواج الشباب يفضّلون أن يُرزقوا صبياً أولاً. لا نفاجأ، ونحن في القرن الحادي والعشرين، بأمهات وآباء يشعرون بصدمة وبحزن، عندما يكتشفون أن المولود الذي ينتظرونه هو فتاة. قد ترفض الأم الجنين، ولا تدرك أن سلوكها له تأثيرات نفسية وربما جسدية على الابنة التي لم تر النور بعد

زينب زعيتر
«شعرت بصدمة كبيرة، الخبر أشبه بكابوس رافقني طوال فترة الحمل، وأخفيت الحقيقة عن زوجي». هكذا تشرح هدى (٢٩ عاماً) حالتها عندما أخبرها الطبيب أنّ مولودها الجديد طفلة. تقول: «عندي ٣ فتيات، أردنا أنا وزوجي أن ننجب صبياً يحمل اسم أبيه والعائلة».
نور طفلة هدى، صار عمرها اليوم سنة واحدة، تقول والدتها: «الزمن كفيل بأن يُنسيني تلك الفترة الصعبة»، وتؤكّد أن معاملتها لطفلتها جيدة، ولن تحرمها حنانها وعاطفتها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الوالد الذي يصّر على إنجاب طفل رابع، علّه يكون صبياً.
تعدد الدكتورة كلوديا نعمة (معالجة نفسية واختصاصية في علم النفس العيادي) الأسباب التي تدفع الأهل إلى عدم تقبّل المولود الجديد لأنّه بنت، وتقول: «إنها الذهنية الشرقية، فالصبي يحمل اسم العائلة، ولا يُحبَّذ أن يذهب الإرث المادي إلى «الصهر». إضافة إلى اعتقاد الكثيرين بأنّ الفتاة هي كائن ضعيف، لا تستطيع مواجهة تحديات العمل والحياة خارج المنزل». تشدد نعمة على أن بعض النساء يتمنين عدم إنجاب الفتيات، وهذه الرغبة ناتجة من حاجة لتعويض نقص ما عشنه، وذلك لأنّ أهاليهن ربما لم يتقبلوا وجودهن. عقدة «أوديب» أيضاً لها الدور الأكبر في رفض الأم أن تنجب فتاة، وذلك «لأنّها عندما كانت طفلة تعلّقت بأبيها كثيراً، واليوم لن تتقبل أن تنجب فتاةً تتعلق بوالدها وتكره أمها». نعمة تشدد على أن المرأة تتماهى مع والدتها «فإذا تلقّت معاملة غير جيدة من والدتها لأنّها فتاة، فإنها بدورها سترفض مولودتها».
تقسّم نعمة الحديث عن رفض الأهل للمولودة الجديدة إلى قسمين، يتعلق الأول بتأثير الرفض على الطفلة أثناء فترة الحمل، والثاني يتعلق بالتأثيرات المباشرة على الطفلة بعد الولادة. تقول: «يتخيل الأهل الجنين بالطريقة التي يحبون أن يكون عليها، ويشعرون بالصدمة إذا أرادوا صبياً واكتشفوا أن الجنين فتاة، لا يدركون أنّ الجنين يكوّن علاقة بأهله، وتحديداً بوالدته وهو لا يزال في رحمها. الجنين يشعر بكل شيء يدور في فكر الوالدة، وإذا كانت الأم عصبية أثناء الحمل سينتقل هذا التوتر إليه. وعندما ترفض الوالدة ابنتها، تشعر البنت بأنّها غير مرتاحة وغير مقبولة، وسيبقى هذا الشعور في داخلها حتّى لحظة الولادة وما بعدها، وينعكس عليها شعوراً بعدم الأمان، وقد تكون عرضة أكثر للإصابة بالأمراض الجسدية».
مريم كانت تتمنى أن تنجب طفلاً، لكنّها رزقت طفلة عمرها اليوم 12 عاماً، اسمها ميسم تتصرف كالصبيان وتلبس مثلهم، وتقول: «أسمع دائماً أن أبي وأمي لم يفرحوا عندما ولدت لأنني بنت، وتأثرت بحديثهما وقررت أن أتصرف مثل الصبيان، لا أرافق البنات في مثل عمري. تعودّت على حياتي هكذا ولا أريد التغيير». أمّا الوالدة فلا تحب تصرفات الابنة، وتقول: «هي فتاة، وهذا واقع لا نستطيع رفضه، آسف للحالة التي وصلت إليها ابنتي، وأحمّل نفسي المسوؤلية الكاملة، حاولت أن أعرضها على طبيب نفسي، لكنّها رفضت الأمر».
التأثيرات المباشرة على الطفلة نتيجة عدم القبول بها، تبدأ منذ اللحظة الأولى للولادة، وتقول نعمة: «إذا لم تلقَ المولودة الجديدة الحنان في حضن أمها، فستلحظ أنهّا مرفوضة، ما سيشعرها بعدم الأمان. وإذا لم توفّر الأم الحاجات الأولية لطفلتها من إرضاع ونوم جيد وحماية جسدية، فإن ذلك سيؤدي إلى خلل في العلاقة بين الأم والطفلة، تبدأ علاماته بالظهور عندما تبلغ الابنة العامين. هذا الخلل يُترجم فعلياً بعد عمر الخامسة، عندما لا تلقى الطفلة الاهتمام الكامل من أهلها، فهم لا يستمعون إلى حاجاتها، ولا يشعرون أنّها تعاني نقصاً لأنّها بدأت تفهم أن وجودها داخل الأسرة غير محبّب، هكذا سيتملكها إحساس بالخوف من أن يتخلى أهلها عنها، فتخاف الخروج من المنزل، ولا تشعر بالراحة النفسية داخله، وستعاني كذلك من قلة ثقة بالنفس والشعور بأن لا قيمة لها في الوجود». تؤكّد نعمة أن «هذه التأثيرات ستجعل الطفلة تبحث عن بديل لوالدتها. أمّا في المدرسة فتترجم الطفلة النقص الذي تعيشه بطريقتين متناقضتين: فإمّا أن تبدع في الصف للفت نظر أهلها، وإما أن تتخذ موقفاً سلبياً، فتبقى على الهامش مستسلمة للحالة التي تعيشها داخل منزلها. وقد يتحوّل سلوكها مع أصدقائها إلى العنف والعدوانية لأنّها تغار منهم».
تؤكّد نعمة «أن أخطر التأثيرات على الطفلة أن يتحول سلوكها إلى تصرفات صبيانية، ما يؤدي إلى الاضطراب في الهوية الجنسية، بأن لا تتقبل الطفلة نفسها على أنها فتاة».


الفتاة ليست ضعيفة

الدكتورة كلوديا نعمة أكدت أهمية تقبّل الطفلة أثناء الحمل وبعد الولادة، على أساس أنّ هذا المولود عطية من الله، ومنحها كل العاطفة والحنان والحاجات الأولية. وشددت على وعي الأهل أنّ الطفلة ليست كائناً ضعيفاً. توعية الأم لتقبّل وجود الطفلة دور يقوم به الأب الذي يمثّل القانون والسلطة في المنزل، وإذا كان الزوج هو من يرفض المولود إذا كان طفلة، فالزوجة عندئذ هي من يقوم بالتوعية. أما العلاج في العيادة النفسية، فيكون أولاً بمعرفة الأسباب التي تجعل الأهل غير متقبلين للطفلة، وثانياً إعطائهم الإرشاد والتوجيه للتعرّف إلى الأساليب الواجب اتباعها في التعامل مع الطفلة لتفادي المشاكل