روني عبد النورفي إصدار جديد لمجلة Nature Photonics، أعلن فريق مشترك من جامعات ومراكز أبحاث عدة، تأتي في مقدمتها جامعة هارفرد ومعهد ماكس بلانك، التوصّل إلى أسلوب ثوري للسيطرة على الضوء على مستوى النانو من خلال ما يُعرف بالهوائيات النانوية، وهو الأمر الذي يعِد بتطبيقات تراوح بين استغلال الطاقة الشمسية وتصنيع أجهزة إلكترونية فائقة السرعة والفعّالية. الهوائي هو جهاز مختص بالتقاط الموجات الكهرومغناطيسية أو إرسالها. فمن جهة، هناك الهوائيات التي تتعامل مع تردّدات موجات الراديو وتكون في أجهزة الراديو والتلفزيون وشبكات الإنترنت اللاسلكية والرادار والمركبات الفضائية؛ ومن جهة أخرى، هناك الهوائيات البصرية التي هي أجهزة التقاط وإرسال تتعامل مع الأشعة الضوئية المرئية، ومع تلك ما دون الحمراء ضمن الطيف الكهرومغناطيسي. وفيما ينبغي للأولى أن تكون كبيرة الحجم بسبب طول موجات الطاقة التي تلتقطها، فإن الثانية لا تتطلب أحجاماً كبيرة في سبيل القيام بعملها.
من ضمن المجموعة الثانية، تبرز الهوائيات النانوية (nanoantennas) المختصة بامتصاص الأشعة الكهرومغناطيسية، ذات الموجات القصيرة، عبر ما يُعرف بظاهرة الرنين (resonance)، أي اهتزاز النظام الفيزيائي بأقصى شدة وعلى تردّدات معيّنة، وهو المبدأ الفيزيائي نفسه الذي يسمح لنوتة موسيقية عالية بتهشيم لوح زجاجي، كما أنه المبدأ الذي تعتمد عليه جميع الهوائيات. يتألف الهوائي النانوي من مربّعات صغيرة الحجم (1 على 25 من قطر شعرة في رأس الإنسان) مصنوعة من الذهب، ومصفوفة فوق طبقات من مادة البوليثين المستخدَمة في صناعة الأكياس البلاستيكية. ويحمع الضوء على مستوى عالٍ من التركيز في بقع لا تتعدى مساحتها بضع عشرات من النانومترات (النانومتر هو واحد على بليون من المتر).
على صعيد التطبيقات، تستطيع الهوائيات النانوية، عبر آلية الالتقاط نفسها التي تلجأ إليها الهوائيات العادية المستخدَمة في أجهزة الراديو والتلفزيون وفي الهواتف الخلوية، التقاط الطاقة الناتجة من الأشعة ما دون الحمراء، وهي المصدر الغني جداً بالطاقة، التي تنبعث من الشمس وتصل إلى الأرض خلال ساعات النهار، حيث تمتصّ الأخيرة جزءاً من الأشعة (الطاقة) لتطلقه بعد ساعات معدودة على شكل حرارة خلال فترة الليل.
قدّم الباحثون الدلائل التجريبية الأولى على إمكان الانتقال من نماذج الهوائيات، التي تعمل على تردّدات الراديو، إلى تلك التي تعمل على الترددات المرئية وما دون الحمراء. والأسلوب الجديد يفتح الباب أمام تطوير التصاميم التي تعتمد على الهوائيات، بما فيها أجهزة التحسّس الشديدة الحساسية، وأجهزة الكشف الضوئية البالغة السرعة، ما من شأنه أن يؤدّي دوراً مستقبلياً ريادياً في مجالَي التشخيصات الطبية، وتحليل المعلومات ومعالجتها. في هذا السياق، يتطلّع العلماء إلى تصنيع أجهزة إلكترونية وحواسيب أكثر سرعة في الأداء، وذات قدرات تخزينية أكبر من خلال استخدام الفوتونات بدل الإلكترونات لنقل الإشارات. ففيما الأولى لا تنطوي على شحنات كهربائية، ما يجعل التعامل معها أكثر صعوبة، تحمل الثانية على عكسها شحنات سلبية تسهّل التحكّم فيها بمجرّد دخولها في حقل كهربائي معيّن، إلّا أن الفوتونات تجول بسرعة تفوق بكثير سرعة تجوال الإلكترونات. وعند التوصّل إلى هذا الإنجاز، يصبح ممكناً تصنيع أجهزة تحسّس فائقة الحساسية من أجل تحرّي آثار المواد البيولوجية والكيميائية، وبالتالي إنجاز تطبيقات تشمل تحليل الحمض النووي عند القيام بتشخيصات طبية، ومراقبة جودة الهواء في مجال السيطرة على مظاهر التلوّث البيئي، والكشف عن المواد التي تمثّل تهديداً للأمن القومي للدول.