دبي ــ ملاك وليد خالدالتحرير، حدث حفر في الذاكرة الفردية والجماعية عميقاً. كثيرون يقرأونه اليوم من خلال الخبر الأبرز: سقوط شبكات العملاء. وبعضهم، من خلال ظلال حرب تموز 2006 وأحداث أيار 2006.
«أتذكر أني ركضت يومها زيّ المجنونة لأوصل ع التلفزيون وأشوف الناس فايتة ع ضيعها من كل فج وعميق»، تقول دينا، الشابة الفلسطينية التي تمنّت يومها «لو أني من الجنوب زيّهم لأعرف طعم فرحتهم». لكن، «بس طلعو من الباب دخلو من الشباك، قليلة ع قصة هالعملا اللي كل يوم عم ينلقطو؟» لتطلق وعداً بأنه رغم كل هذه الخروق «هيدا عيد كرامة وعزة. وبعد 100 سنة رح نضل نعلّم ولادنا انو بهاليوم مقاومتنا هزمت إسرائيل وطلعتهم، كمان مرة، برا».
أما مازن، الذي يعترف بأن التحرير كان «إنجازاً تراكمياً للمقاومة»، فيؤكد «مش رح نختلف عليه طبعاً»، إلا أنه يتحفّظ على «من غيّر نظرة الناس إليه»، ويقصد بذلك الأحداث التي تلته «من حرب عام 2006 التي أنهكت اللبنانيين، والتوظيف السياسي والعملاني للتحرير على الأرض الذي توّجه الإخوة في حزب الله بمعارك 7 أيار ليزيدوا انقسام الناس حول المقاومة».
مريم من عيترون. كانت تتجنّب زيارة قريتها أثناء دراستها في بيروت إلّا في المناسبات لأن «العذاب الذي تفنّن العملاء والصهاينة في إذاقته لأبناء الشريط كان يصعب تحمّله». تخبرنا عن ذكريات ذلك اليوم: «كنا في سكن الطالبات، لا تلفزيون لدينا، وندرس لامتحانات آخر السنة، حين اتصلت بنا إحدى الزميلات، وأرادت التحدّث مع فتاة معنا كانت نائمة. رددت على التلفون فقابلني صوت صديقتها المتصلة تصرخ: «ولك فيقيها. ممنوع النوم بهيك أيام. الناس وصلت عَ بنت جبيل وبعدها نايمة؟».
بعدما عرفت القضية، حلت البهجة بدل الخوف على مريم. يومها، شعرت برغبة في الذهاب إلى القرية: «بدي روح ولو مشي عَ الضيعة». وذهبت فعلاً، ولكن ليس سيراً على الأقدام، بل في سيارة أجرة، استقلتها «بساعة الساعة». تذكر كم كان الزحام خانقاً، وكيف نفد صبرها أمامه، فنزلت من السيارة قبل وصولها إلى قريتها بقليل، و«صرت أركض وأنا مش مصدّقة شو عم بيصير. حاجز كفرتبنيت مبطّل موجود، بالنبطية الفوقا وبكل ضيعة مرقنا منها كان وكأنو فيه عرس. يا لطيف ع هيداك اليوم».
ما تبقى، تقول من دون تردّد: «كل شي. ع الأقل بالنسبة للي داق شو يعني احتلال». بالنسبة إليها، لا ينغّص سعادتها بهذا اليوم سوى «أولئك الذين يصادرون حقنا بأن نكون مع المقاومة التي حرّرت قرانا وساعدتنا على الصمود في وجه المحتل».
مجد من الأشرفية، لا يتذكر شيئاً عن تلك الأيام، لأنه «أصلاً أنا ما بحب السياسة ولا بشوف أخبار، ومنطقتنا عَ علمك رايقة وما فيها هيك قصص». يستدرك: «مش يعني انو ما بيهمني، بس ما عندي ذكريات أبداً عن هالفترة، يمكن لأني كنت صغير». ومجدداً يستدرك، فيجري عملية حسابية سريعة: 30 -9 = 21 عاماً. هي السن التي أصبحت أخيراً سن انتخاب وأهلية!
ماذا يعني له التحرير اليوم؟ يجيب: «شو يعني تحرير طالما صار من بعده حروب؟ وهناك من قرر عنك سلفاً ماذا يريد أن يعمل في هذا البلد. عندما يدخلونك في حرب كرمال كم اسير؟». يتابع مطلقاً العنان لتراكمات تستفزه: «ثم يقولون لك حرّرنا الجنوب وسلاحنا ضد إسرائيل. لكن، ليش وجّهوا سلاحهم «ضدنا» منذ سنة؟ إذا كان التحرير كم ضيعة تحرّرت ويجب أن ندفع ثمنه كل الوقت على يد من حرّره فهذه مشكلة يجب على اللبنانيين أن يجدوا لها حلاً في ما بينهم، بعيداً عن الأجندة الإيرانية مثلاً».
يقدم المغتربون رزمة من الانفعالات. لكنهم، يتفقون تقريباً على أن هذا الحدث يبقى، بغض النظر عن اي سياقات تلته، أحد أهم إنجازات لبنان في تاريخه الحديث.