تشكو بعض النساء من صمت أزواجهن داخل المنزل، ما يسبّب لهن القلق، وخصوصاً أنّ الكلام بالنسبة إليهنّ تعبير من جانب أزواجهنّ عن اهتمامهم بهنّ ومحبتهم لهنّ. أمّا الرجل فيستنفد طاقاته الكلامية أثناء العمل، وعند رجوعه إلى المنزل يصبح الصمت وسيلة للاسترخاء، أو حكمة يعتمدها للهروب من المشاكل الزوجية.
زينب زعيتر
« تزوجتُ قبل 8 أعوام، ووَلدت أربعة أطفال، لكنني أعيش، طيلة هذه السنوات حياةً مليئةً بالصمت» هكذا تبدأ مريم د، ربّة منزل (٣0 عاماً) الحديث عن حياتها، التي غلب عليها «الخرس الزوجي». تقول «زوجي لا يتكلم معي إلّا إذا تحدثت معه، كلامه مقتضب، يقضي نهاره في المنزل، يشاهد التلفاز، أو يقرأ الصحف، وأحياناً يخرج مع أصدقائه. أتجنّب المشاجرات والكلام المزعج، أكتفي فقط بالتكلّم عن الأمور الإيجابية في حياتنا. عندما أواجهه بصمته يثور ويغضب، معتبراً أنّ قلّة الكلام من صفاته، لكنه خارج المنزل متحّدث لبق، يختار جمله بعناية كي لا يزعج أحداً. أشعر بأنّه لا يحبني، هذا الصمت يكاد يقضي على علاقتنا».
رانيا خ، ربّة منزل (٢٩ عاماً)، تعاني قلة كلام زوجها في المنزل، وتتشاجر معه لهذا السبب، فيرد عليها بأنّه يؤدي وظيفته الزوجية على أكمل وجه، «معتقداً أنّ واجبات الرجل تكون فقط في توفير المال للمنزل. وهو بذلك يتناسى أهمية الجلوس والتحدث والتحاور مع عائلته».
تؤكّد الدكتورة هدى داغر (معالجة واختصاصيّة في علم النفس العيادي)، أنّ الصمت الزوجي مشكلة على مستوى الاتصال، وتلفت إلى أن «الرجل والمرأة لا يتكلمان اللغة نفسها، ولا يملكان طريقة واحدة في التعبير. قد يجد الرجل اهتمامات زوجته ساذجة مما يجعله يفضّل الصمت. في بداية العلاقة الزوجية يكون هذا التناقض في الاهتمامات رابطاً يجمع الزوجين، يكتشفان نفسيهما من خلاله، ولكن بعد انقضاء فترة على الزواج، يستعيد الفرد الحنين إلى موقعه قبل الزواج».
تتحدث داغر عن «الجامع، وهو شكل من أشكال العلاقات الإنسانية التي تؤدي إلى الزواج، والمقصود به الأشياء المشتركة بين الطرفين. هذا الجامع قد يكون الانتماء إلى عائلة أو بيئة معيّنة، أي إن المهيّئ لهذه العلاقة الزوجية قد يكون غير مبني على العاطفة، وهذا الجامع قد يزول بعد فترة من الزواج ». تضيف داغر إن «الأوضاع الاقتصادية الصعبة من أهم الأسباب المؤدّية إلى صمت الزوج، لأنّه يشعر بأنّه لا يؤدي واجباته كاملةً، ويكون صمته تعبيراً عن انزعاجه من الأزمة المادية والواقع الذي يعيش فيه».
يرسم الرجل قبل الزواج صورة عن المرأة التي يريد أن يكمل معها حياته، وذلك مبنيّ على أساس ما تعلّمه أو فهمه عن العلاقة بين الرجل والمرأة في طفولته، وفي فترة المراهقة. وقد يحلم الرجل بالارتباط بامرأة كأمّه أو بامرأة لا تشبه والدته أبداً، وهنا تؤكّد داغر « بعد انقضاء الفترة الأولى من الزواج، يسيطر الروتين الزوجي، يكتشف الرجل أنّ زوجته ليست المرأة التي أرادها أن تكون زوجته، ويشعر نوعاً ما بخيبة أمل يترجمها بالصمت».
من الأسباب المؤدية إلى الصمت الزوجي أيضاً «غياب توازن الأدوار بين الرجل والمرأة في المنزل، في هذه الحال تصبح الأمومة والأبوّة أهم من العلاقة الزوجية».




الصمت الزوجي قد يؤدي إلى حالة الانفصال والطلاق، وقد ينتج منه خلل في العلاقة الجنسية بين الزوجين. فالعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة تمر في أربعة مستويات. في بداية الزواج تكون العلاقة الجنسية مبنيّة على الحاجة والرغبة، ومع تطوّر العلاقة ونموّها تصل العلاقة الجنسية إلى مستوى المشاعر، وإذا كانت الحياة الزوجية سليمة أي مبنيّة على أساس من التفاهم والحوار وامتزاج في الشخصيات يصل الزوجان إلى المستوى الأخير، أي مستوى العاطفة. أمّا إذا كان الصمت الزوجي يغلب على الحياة داخل المنزل، فقد لا يصل الزوجان سوى إلى المستوى الثاني، وبالتالي يتحوّل الصمت الزوجي إلى صمت في العلاقة الجنسية وفتور، وتتحول العلاقة إلى عمل ميكانيكي لا يعتمد على العاطفة والمشاعر.
من جهة أخرى، فإن للصمت أثره السلبي على الطفل الذي ينمو في أسرة يغيب فيها التواصل الكلامي، حيث إنه ينشأ انطوائياً يصعب عليه إقامة العلاقات مع الآخرين، ويكون ضعيفاً في التعبير عن نفسه.
رولا ش، مدرّسة صفوف ابتدائية (٢٧ عاماً)، تشكو أيضاً من سكوت زوجها الدائم في المنزل، لكنّها تعذره. وتقول «يعود من عمله متأخراً ومتعباً، أحدّثه عن عملي خلال النهار، من رأيت، ومع من تحدثّت، وأين ذهبت للتسوق، لكنّه لا يبالي، فاهتماماته تختلف عن اهتماماتي. لا يعبّر صراحةً عن عدم مبالاته، لكنّني أفهمه وأعذره. أنا أيضاً لا أحبّ أن أستمع إلى مشاكله وأخباره في عمله، لذلك نستبدل الأحاديث بمشاهدة التلفاز».
في المجتمعات القديمة كانت المرأة الأكثر صمتاً، فالرجل هو سيد المنزل، والكلمة الأولى والأخيرة له. أمّا اليوم، فتؤكّد داغر أنّ «المرأة هي الأكثر كلاماً، لأنّها في حاجة إلى أن تعبّر عن نفسها، وإذا تكلّم الرجل فهو يتكلم ليفرض وجوده في المنزل، ويصدر الأوامر، ويعطي تعليمات النظام داخله». غير أنّ الحل بحسب داغر للخروج من الصمت الزوجي يكون مسؤولية الرجل والمرأة معاً، « قدرة الزوجين على التعبير عن كل المشاعر والأفكار والأحاديث التي يفكّرون فيها هي الطريق الأول لعلاج الصمت الزوجي. هذه القدرة مبنيّة على اللغة المستخدمة في المنزل، التي لا تعتمد على توجيه الاتهامات والسخرية والاستهزاء بمشاعر الطرف الآخر واهتماماته. يجب أن يكون الحوار المتّبع مبنياً على أساس من التفاهم والتفاعل، فالحوار هو عصب الحياة الزوجية».


ترى هدى داغر أن التلفزيون والإنترنت من الأسباب المؤدية إلى الصمت داخل المنزل، فقد يبحث «الرجل عن الراحة والتسلية داخل المنزل، ولا يجدهما في الجلوس مع زوجته، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المرأة، هكذا يكوّن كلّ منهما عالماً خاصاً به غير واقعي»، فيصعب عليهما التأقلم مجدداً في الواقع المعيش داخل المنزل.