strong>ملاك وليد خالد منذ طفولتي وصيدا ككولاج من التفاصيل: شوكولاتة من محل «بوشيه» على شكل عملات معدنية في كيس يشبه شباك الصيد، حلويات «السمرا» التي لم أتوقف عن حبها الذي افتديته بأكثر من سنّ في فمي، ملعب كرة القدم الترابي الواقع في مقابل ساحة الشهداء (حيث تاه ذات يوم من عام 1987 أخي الصغير في زحام مهرجان وطني) ، والتمثال المهيب للشهيد معروف سعد، الموجود مقابل مستشفى الشاب وقلعتها، على خلفية أغنية مرسيل خليفة وهو يصدح «معروف القلعة جايينا».
حين كبرت، عملت في صيدا. تعاظم حبي لتفاصيلها مع اكتشافي أبعاداً جديدة في صورتها. رغم ذلك، أعترف بأنني لا أحبها كما أحب صور ــــ أصلاً أنا لا أحب أي مدينة كما أحب صور ــــ فصور هي مرضي المزمن الذي لا أريد منه شفاءً. ولكن صيدا، بفولها السابح بنكهة الأبوصفير، وفلافلها التي قلما تناولتها من دون أن تلذع سخونتها سقف حلقي، ولهجة أهلها الغريبة الوقعة على سمعي، مدينة تستحق احترامي إلى أقصى حدود، وخاصة في هذه الأيام التي تتحفّز فيها أعصابنا جميعاً أمام تأهّبها للانتخابات.
يستحق ناسها وأهلها الطيبون أن أحترم سعة قلوبهم وسماحة أرواحهم، وأن أطمع منهم ألا يعلقوا البلاد على حبال المجهول بعد 7 حزيران. يستحقون أن نقول لهم إن الثقة بحسهم الوطني أكبر مما يمكن للمال أن يشتريه، والإيمان بنقاء ذممهم أهم من أي معركة انتخابية أو برلمان بكامل عتاد كراسيه و«نوائبه».
يستحق أهالي هذه المدينة الشد على أياديهم كي يتذكروا أنهم هم القلعة التي خلف القلعة، وأنهم، بخياراتهم الديموقراطية، سيكونون «بحرية» لبنان الذين سيقودون مركب حريته نحو ساحات الدنيا لتكون مطارحنا أوسع من قيد الطائفة وأرحب من زواريب المدينة. فقراء صيدا وبحّاروها، متعلموها وأبناؤها الذين لم يخيّبوا ظن الوطن كل مرة ألمّت به محنة، أنتم سواعد الخير وأهل الخير. لكم وبكم تعلو روح الأغنية ويقوى كل البلد مع نبضها: شدوا الهمة، الهمة قوية.