حسين فرانتهجرت من مدينتي الجنوبية بعدما وجدت نفسي في مجتمع يصعب على شخص لا ينتمي سياسياً أو دينياً إلى أي طرف من أطرافه المعروفة أن يعيش فيه.
هناك، كنت أتلقى «شظايا» كلمات وعبارات نابية توجه إلي بينما يعيب قولها للحيوانات... كل ذلك لأنني «ارتكبت» في اعتقادهم إثماً يهين معتقداتهم، فأنا ذكر يخالف السياق العام لمفهوم الذكورة في أذهانهم: شاب شعره طويل ويهوى الموسيقى الغربية. هناك، تعرضت وبعض أصدقائي «المختلفين» إلى مضايقات عديدة. محيطنا عجز عن استيعابنا، لكن ذلك لم يعن لي نهاية الدنيا. فأنا لا أزال شاباً وفرصي كثيرة. لذا، قررت الانتقال للسكن في بيروت، لأن «مين في غيرا بيضبني؟» كما كان يغمز أقربائي. «اللي بيبعد عن دارو بيقل مقدارو»، قال لي أبي. لكنني لم أتراجع عن قراري رغم أن الأيام سرعان ما أثبتت لي صحة قوله، إذ كان هذا بالتحديد ما شعرت به خلال الفترة الأولى في بيروت. فعندما كنت أعيش مع أهلي، كان هناك من يؤمّن جميع حاجاتي. أما الآن، فقد أصبح عليّ الانتباه لكل شاردة وواردة... إلا أنه، رغم الصعوبات التي واجهتها، فقد اكتسبت حريتي ومارست فرديتي. أحسست بأني سيد نفسي، أصبحت شخصاً يمكن الاعتماد عليه. اكتسبت الحرية وفقدت دفء ديار ما كنت لأفقدها لو كانت مستعدة لتقبّل الآخر المختلف.
أما في العاصمة، فسرعان ما لاح مجدداً الشبح ذاته، وإن ترجم بأشكال مختلفة، طائفية أو طبقية، لترفع من حدة التهديد: ماذا لو ضاق صدر بيروت أيضاً عن استيعابي؟