منذ احتلال العراق عام 2003، كانت إدارته مصحوبة بفساد من القمة إلى القاعدة. وبما أن الخصخصة والسيطرة على الموارد الطبيعية في العراق هي واحد من أهم أهداف الاحتلال وأعوانه في بغداد وأربيل، فقد كان للفساد دور بارز وحاسم في حصوله على تأييد بعض المجموعات العراقية لسياسات الخصخصة. هنا بعض الأرقام والحقائق عن صاحب أكبر احتياطي نفطي في العالم
منير الجلبي *
يملك العراق 118 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، ويمكن إضافة 235 مليار برميل آخر إلى هذا الاحتياط. كذلك يملك العراق 78 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز المثبتة التي يمكن أن يضاف إليها 110 تريليون قدم مكعب آخر، من خلال تعزيز عمليات التنقيب وتطويرها واستخدام التكنولوجيا المتقدمة. وقد صرّح نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح بأنّ الاكتشافات الجديدة أظهرت أن العراق يملك ما يصل إلى 350 مليار برميل، وهذا يمثل الاحتياط الأكبر في العالم.
يعادل هذا الرقم ثلاثة أضعاف الاحتياط المثبت الحالي، وهو أعلى من احتياط النفط السعودي الحالي المقدر بنحو 246 مليار برميل. إنّ التقديرات الجديدة قد تمّت استناداً إلى آخر عمليات المسح الجيولوجي والزلزالي للبيانات التي جمعتها شركات البترول العالمية ذات السمعة التكنولوجية العالية.
سيغطي هذا التحليل موضوعين أساسيين: الأول دراسة للتضارب في وجهتي النظر حول الطريقة التي يجب أن يسلكها العراق لتطوير إمكاناته الضخمة من النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى لمصلحة الشعب العراقي. وثانياً، الإجراءات التي يتخذها اللاعبون الرئيسيون لعملية التطوير في العراق، وهم: الحكومة الاتحادية ووزارة النفط الاتحادية في بغداد من جهة، والحكومة الإقليمية الكردية في أربيل في الطرف الآخر.
إنّ وجهات النظر في النقاط الحيوية لكيفية تطوير العراق لموارد النفط والغاز تنقسم إلى معسكرين:
الأول يؤمن بأن الموارد الطبيعية في العراق يجب أن تبقى مؤمّمة، ويطالب بأن العراق ينبغي أن يطور بنفسه موارده من النفط والغاز مع إمكان شراء المساعدة التقنية والفنية من الخارج، لكن من دون جلب شركات النفط الاحتكارية الأجنبية (IOCs) بصفة منفّذين أو شركاء في هذه العملية. يتمتع هذا المعسكر بدعم شعبي واسع النطاق، ويتمثل بعدد كبير من الوطنيين العراقيين المعارضين للسيطرة الاقتصادية الغربية وباقتصاديين وخبراء النفط والغاز، ومنظمات المجتمع المدني، والاتحاد العمالي للنفط في العراق، وبعض الأحزاب السياسية مثل الحركة الصدرية، وكذلك بعض السياسيين من الأحزاب الأخرى في البرلمان الاتحادي.
ما يميِّز هذا المعسكر هو أنه لا تنسيق حقيقياً بين مختلف فصائله، وبالتالي يحدّ هذا من قدرته على التأثير الفعال لإيقاف مشاريع التخصيص.
أمّا المعسكر الثاني، فيدعو إلى خصخصة موارد النفط والغاز المؤممة حالياً كلياً كما يدعو البعض منهم، أو في جزئها الأكبر كما يطالب البعض الآخر. ويؤمن هذا التيار بأن العراق لا يمكنه بمفرده أن يقوم بتطوير موارده، وبالتالي عليه الاعتماد جزئياً، إن لم يكن كلياً، على شركات النفط العالمية الاحتكارية الكبرا كـBP, Shell, Exxon Mobil, Total, Chevron, Conoco Philips لتطوير موارده الطبيعية.
ويضم هذا المعسكر جميع الأحزاب السياسية من قطاعات المجتمع العراقي الثلاثة المنضوية في إطار «جبهة المعتدلين» التي تمثّل الحكومة الاتحادية الحالية، والمسيطرين على وزارة النفط الاتحادية في بغداد، وحكومة إقليم كردستان في أربيل.


السياسات النفطية لبغداد

إنّ الحكومة الاتحادية ووزارة النفط بحاجة إلى قانون جديد للنفط وإلى الحصول على موافقة البرلمان الاتحادي، للمضي قدماً وتنفيذ سياسات الخصخصة. على أنّ سنتين ونصف سنة قد مرّ منذ المحاولة الأولى التى تمت في حزيران/ يونيو 2006 من وزارة النفط الاتحادية لعرض المسودة الأولى لقانون النفط. ومع ذلك لم تتمكن الحكومة العراقية من التقدم الحقيقي في مساعيها لإمرار مسودة قانون النفط والغاز في البرلمان الاتحادي. ويرجع ذلك أساساً إلى الديناميكية في السياسة الداخلية العراقية. في هذا التحليل لن أتطرق إلى الأسباب التي أدت إلى فشل الحكومة الاتحادية في إمرار قانون «النفط والغاز»، حيث سبق أن غطّيت هذا بشيء من التفصيل في عدد من التحليلات السابقة.
إنّ هذه التأخيرات استلزمت تغيّراً في التكتيك في كل من الإدارة الأميركية وشركات النفط العالمية العملاقة. كذلك فإن هذه التأخيرات أجبرت الحكومة الفدرالية في بغداد على إعادة هيكلة استراتيجيات سياسات الخصخصة لموارد النفط والغاز، وذلك من طريق تقسيم عملية التخصيص مروراً بمرحلتين:
المرحلة الأولى، وهي ستمكن الوزارة على المدى القصير من المضي قدماً في خصخصتها لثروات النفط والغاز المؤممة أو لإعطاء شركات النفط العالمية حق السيطرة عليها عبر إعادة استخدام جميع قوانين الخصخصة المتاحة التي أصدرها «حكم البعث» خلال الأعوام الـ15 الأخيرة من حكمه وقبل سقوط العراق تحت الاحتلال.
تدّعي وزارة النفط الاتحادية أنها حصلت على المشروعية القانونية اللازمة لإجراء أول جولة «لعقود الخدمات» مع شركات النفط العالمية لتسليمها السيطرة على عدد من الحقول النفطية الرئيسية، وذلك من خلال التشريعات البعثية ضمن مرسوم مجلس قيادة الثورة في نيسان/ أبريل 1987 القاضي بحل شركة النفط الوطنية العراقية، ونقل سلطة توقيع عقود النفط والغاز إلى وزارة النفط.
سيوفر هذا الحل وسيلة لوزارة النفط لتنفيذ سياسات إعطاء شركات النفط العالمية حق السيطرة على بعض الحقول النفطية أو الغازية أو لخصخصة حقول أخرى، وحتى قبل صدور القانون الجديد للنفط والغاز. غير أنّ زعم الحكومة الاتحادية أن هذا المرسوم القديم يخولها توقيع العقود مع الشركات الأجنبية من دون الحاجة إلى أن تحصل على موافقة من المجلس النيابي الفدرالي قد لا يكون كافياً لتمكين الوزارة في الواقع من التطبيق الفعلي لمثل هذه العقود مع شركات النفط العالمية.
ذكر كل من وزير النفط الدكتور حسين الشهرستاني، ورئيس اللجنة الاستشارية للنفط في الحكومة ثامر الغضبان في مناسبات عديدة، أن «الدستور لا ينص على أن العقود النفطية يجب أن تحصل على موافقة المجلس النيابى عليها». بيد أن العديد من البرلمانيين العراقيين يخالفون بقوة وجهة النظر هذه. ولعل الأهم من ذلك، هو أنّ هناك اقتناعاً لدى الكثير من رؤساء كبرى شركات النفط العالمية والمراقبين القانونيين الدوليين، بأن الشركات النفطية لن تخاطر في التوقيع على المشاريع العراقية ضمن القوانين الحالية. وفيما يوجد خطر من أن تحل محلها قوانين جديدة في شكل القانون الجديد «للنفط والغاز» الذي ينص علية الدستور، وفي ظل عدم وجود قانون جديد للنفط، فإن شركات النفط العالمية ستطالب بموافقة البرلمان على كل اتفاقية بصورة منفصلة لضمان الشرعية لأي اتفاقية قبل المضي قدماً في الاستثمارات.
إنّ مثل هذا الحل الوسط سيكون موضع ترحيب من السياسيين. والملاحظ أن نائب رئيس اللجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي، السيد عبد الهادي الحسن، ذكر في أكثر من مناسبة أن «كل العقود يجب أن تمر عن طريق البرلمان»، لكنها ستكون عملية طويلة جداً، لذا فإن المرحلة الأولى من الخطة لن تمضي بسهولة.
المرحلة الثانية من هذه الاستراتيجية حيوية للأجلين المتوسط والطويل في خطط الحكومة الاتحادية. إن ما يعملون عليه في الوقت الحاضر هو إيجاد صياغة جديدة لقانون «النفط والغاز» الذي يضمن الخصخصة، والذي سيُتفاوَض بشأنه مع حكومة إقليم كردستان للاتفاق على شكل قانون «توافقي» مقبول للجانبين، ويمكن أن يعرض على البرلمان الاتحادي.
كذلك تجدر الإشارة إلى الأسلوب التكتيكي الآخر للحكومة المركزية في بغداد التي تستخدمه لعرض «قانون النفط والغاز» على البرلمان الاتحادي كجزء من صفقة واحدة مع قانون «اقتسام العائدات» وقانون «تأسيس شركة النفط الوطنية» والقوانين الخاصة «بوزارة النفط». سبق لهذا التكتيك أن استُخدم بنجاح لإرضاء جميع الأطراف في إطار «جبهة المعتدلين» في البرلمان الاتحادي والحصول على موافقتهم لقبول ما يعترضون عليه في بعض القوانين مقابل إعطائهم ما يرمون إليه في القوانين الأخرى.
إنّ المهمة الرئيسية المطلوبة من وزارة النفط الاتحادية هي إعادة إنشاء «شركة النفط الوطنية العراقية». لكن حتى اليوم، لم تتخذ الحكومة الفدرالية أيّ خطوة حقيقية لإعادة تأسيس شركة النفط الوطنية العراقية (INOC)، وهو ما كان مطلوباً منها قبل إجراء أي مفاوضات مع شركات النفط العالمية.


السياسات النفطية لأربيل

منذ الاحتلال الأميركي للعراق، كانت سياسة كل من الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الحاكمين، مبنية على التعاون مع كل مخططات إدارة بوش وتشيني؛ لهذا، سنجد أن استراتيجيات الحزبين المتعلقة بالنفط والغاز ليست استثناءً. ويبقى امتثالهما الكامل لمطالب الإدارة الأميركية وشركات النفط العالمية متطابقاً مع مصالح قادة كلا الحزبين.
إنّ سياسات الحزبين الكرديين تهدف إلى ضمان أن تكون كل عمليات إنتاج النفط والغاز في المناطق الكردية حكراً على شركات النفط العالمية عن طريق مشاريع «المشاركة في الانتاج». كذلك تريد أن تضمن أن تبقى قدرة وإمكانات شركة النفط الوطنية العراقية الجديدة في الإنتاج، عند مستوى الحد الأدنى. إضافة إلى ذلك، فإنّ حكومة إقليم كردستان تريد أن تؤخَذ جميع قرارات التخطيط الاستراتيجية على الصعيد الإقليمي لا على المستوى الاتحادي.
فما هي نقاط الخلاف الرئيسية بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول قانون النفط والغاز؟
ـــــ حكومة أربيل تريد أن تتم على الفور خصخصة الغالبية العظمى من موارد النفط والغاز في مناطق حكومة إقليم كردستان، إن لم يكن في كل العراق، فيما تسعى الحكومة الاتحادية إلى خصخصة الجزء الأكبر من احتياطيات النفط والغاز مع الاحتفاظ بالحقول المنتجة حالياً، مؤممة.
ـــــ تريد حكومة إقليم كردستان تطبيق نموذج اتفاقيات «المشاركة في الإنتاج PSC» فقط، وهو النموذج الذي يلبي جميع مطالب شركات النفط العالمية الكبرى IOCs ، فيما وزارة النفط الاتحادية تريد استخدام نماذج أخرى من الاتفاقات مثل «عقود مخاطر الاستكشاف» و«عقود للاستكشاف والإنتاج» التي تمثل شكلاً من الأشكال «المختلطة» من العقود، وتلبي العديد، لكن ليس جميع مطالب الشركات العالمية.
ــ إن حكومة إقليم كردستان تريد أن يتم التخطيط الاستراتيجي من أجل التنمية على المستوى الإقليمي، فيما وزارة النفط الاتحادية تريد مركزة مثل هذه القرارات الهامة وأن يكون على مستوى الوزارة الاتحادية، لكن مع مشاركة من الأقاليم والمحافظاتــ إنّ حكومة إقليم كردستان قد ذهبت منفردة في طريق توقيع «عقود المشاركة في الإنتاج PSC» مع عدد من شركات النفط الدولية «IOC» (تصل إلى 28 إلى هذا التاريخ) من دون عرضها على وزارة النفط الاتحادية في بغداد، وحتى من دون أي مناقشة مع الوزارة الاتحادية. إن وزير النفط الاتحادي الشهرستاني عارض بشدة هذه الخطوة، ورأى أنّ جميع هذه الاتفاقات غير مشروعة وهدّد الشركات الدولية التي وقعتها بتصنيفها على القائمة السوداء من وزارة النفط الاتحادية في بغداد.
ـــــ تريد حكومة إقليم كردستان بسط سيطرتها على حقول النفط والغاز في المناطق التي لا تمثّل جزءاً من أراضي حكومة إقليم كردستان، التي يسمونها «المناطق المتنازع عليها» في محافظات نينوى وديالى. غير أن الحكومة الاتحادية لا تقبل حتى هذا التاريخ، ادعاءات حكومة إقليم كردستان في تلك المناطق.
ـــــ تريد حكومة إقليم كردستان ضم محافظة كركوك، وبالتالي يريدون السيطرة على الغالبية العظمى من موارد النفط والغاز في شمال العراق. وبما أن الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان على كركوك لم يحسم بعد، تؤكد الحكومة الاتحادية أن جميع حقول النفط والغاز في كركوك يجب أن تبقى من صلاحيات وزارة النفط الاتحادية في بغدادانتقل برنامج التخصيص في وزارة النفط في بغداد ليشمل الموارد الغازية. وسيعطي «الاتفاق المبدئى» الذي وُقِّع عليه في 22 أيلول/ سبتمبر 2008 لتأسيس «شركة مشتركة» بين شركة «شل» ووزارة النفط الاتحادية، سيعطي الشركة 25 عاماً من الاحتكار الكلي للغاز وللصناعة الغازية في جميع المناطق في جنوب العراق. وسيعطي هذا الاتفاق «شل» أكبر دور في قطاع النفط والغاز في العراق منذ 1960 وسيملك العراق 51 في المئة من أسهم الشركة المشتركة. ستحتكر الشركة بيع الغاز الخام المنتج في جنوب العراق، سواء المستخرج من «شركة نفط الجنوب» أو غيرها من المنتجين. ويشمل الاتفاق «جنوب العراق» برمته، على الرغم من أن خريطة التذييل الملحقة بالعقد تغطي أراضي تمتد إلى مسافة داخل الخليج العربي ــ الفارسي، وأية مناطق أخرى بحسب ما تتفق عليه «شل» ووزارة النفط.
لن تركز الشركة الجديدة فقط على «الغاز» المصاحب للإنتاج النفطي، بل ستسعى إلى تطوير إنتاج الغاز غير المصاحب في جميع الحقول في جنوب العراق. وستمتلك الشركة الجديدة جميع المنتجات الأخرى، مثل الوقود المستعمل لأغراض الطهي والتدفئة، وبيعه إلى وزارة النفط أو مباشرة إلى المستهلكين المحليين أو تجاوز الوزارة أو تصديره. وستكون أسعار البيع مرتبطة بالأسعار في السوق الدولية، وهذا ما سيرفع الأسعار بصورة هائلة لاحتياجات الصناعة الوطنية ويرفع أسعار منتجاتها. وبذلك، لن تتمكن من منافسة المنتجات الأجنبية. إذا حظي مثل هذا الاتفاق بموافقة الحكومة فإنها ستكون «هدية مجانية» لواحدة من أقرب الأصدقاء الأجانب المعروفين لوزارة النفط، لأن هذا العقد لم يكن تنافسياً، وحصل من دون مناقصة عامة للحصول على أفضل المنافع للجانب العراقي. لقد نشر أحد الخبراء البارزين في شؤون النفط والغاز العراقيين، السيد فؤاد الأمير دراسة شاملة وتحليلاً مفصلاً باللغة العربية لهذا الاتفاق.


الفساد وخصخصة الثروات الطبيعية

يسير الفساد جنباً إلى جنب مع جميع الحكام والأنظمة المستبدة، على شاكلة ما جرى خلال حقبة النظام البعثي القديم، وكذلك مع الاحتلال الأجنبي، بما فيه الاحتلال الأميركي القائم في للعراق. وأدّى الفساد دوراً حيوياً في الحفاظ على الاحتلال والسيطرة على العراق أكان أثناء فترة الاحتلال المباشر خلال عهد «مجلس الحكم» أم خلال فترة حكومة إياد علاوي المعينة والممثلة لقوات الاحتلال.
وقد أدى الفساد أيضاً دوراً أساسياً في الحفاظ على دعم المصالح الأميركية داخل الحكومة الحالية المنتخبة. لقد بدأ المحققون الفدراليون في الولايات المتحدة تحقيقاً في تصرفات عدد من كبار الضباط الأميركيين المشاركين في برنامج إعادة الإعمار في العراق، وفقاً لمصادر عدة، بما فيها «نيويورك تايمز».
معظم المحللين الدوليين والعراقيين مقتنعون بأن سرقة أو هدر مبالغ طائلة من الولايات المتحدة والحكومة العراقية لا يمكن إلا أن يحدث إذا كان كبار المسؤولين الأميركيين أنفسهم متورطين في الفساد. وقد صرح أحد رجال الأعمال الأميركيين الذين عملوا في العراق منذ عام 2003 قائلاً: «أعتقد أن أعمال النهب الحقيقية التي حصلت في العراق بعد الغزو كانت على يد المسؤولين الأميركيين والمتعاقدين معهم، لا من سكان الأحياء الفقيرة في بغداد».
لقد أدت الرشوة الأميركية والفساد دوراً رئيسياً في رسم خطط حكومة إقليم كردستان، حيث إن قادة الحزبيين في الحكومة الإقليمية يحصلون على نسبة مئوية من كل عقد «مشاركة في الإنتاج» يوافقون عليه بحسب الشائعات المنتشرة في الإقليم التي اعترف بها بعض المسؤولين الأميركيين في العراق والتي تفيد بأن شركات النفط العالمية تدفع ما يصل إلى 20٪ عن كل عقد. لقد صرّح عدد من المقربين لمسؤولين في المفاوضات من شركات النفط بأن مساعدي رئيس الإقليم مسعود البرزاني كانوا يطالبون بما يصل إلى 10% من الإيرادات حصةً للبرزاني شخصياً، ومبلغ مماثل لحزبه. وفي 23 حزيران/ يونيو 2004 حوّلت السلطات الأميركية 1.4 مليار دولار إلى القيادات الكردية، وهو ما يعادل 17٪ من 8.3 مليارات دولار من أموال الشعب العراقي من «برنامج «النفط مقابل الغذاء». وبعد أقل من أسبوع على تلقي المبلغ، وقّعت حكومة إقليم كردستان أول اتفاق «مشاركة في الإنتاج» نفطية مع الشركة النرويجية «DNO».
كذلك ينتشر الفساد في معظم وزارات الحكومة الاتحادية، وعلى وجه الخصوص في وزارة النفط على نطاق واسع. وأفادت التحقيقات بأن وزارة النفط تم التلاعب بها وأنّ المفتشية العامة للوزارة غير مجهزة للتعامل مع قضايا سرقة النفط في ظل غياب محاسبة دقيقة لكميات النفط المنتجة، فيما إدارة الاحتلال وعصابات الجريمة المنظمة يسرقون النفط لمصلحة الميليشيات والمسلحين والموظفين العموميين الفاسدين والتجار الأجانب.


خلاصات حول الخصخصة

ــ إنّ خصخصة النفط والغاز في العراق بدأت مع نظام البعث؛ ففي نيسان/ ابريل عام 1987 اتخذت الحكومة البعثية الخطوة الأولى بالبدء بمسار الخصخصة، وحلت شركة النفط الوطنية العراقية (INOC). وأعقب ذلك خلال أعوام التسعينيات 1990، حين وقّعت عدة اتفاقات «مشاركة في الإنتاج PSC» مع شركات النفط الدولية IOCs ضمت عدداً من حقول النفط العراقية العملاقة. وفي عام 1997، وقّعت الحكومة البعثية أول اتفاقية «مشاركة الإنتاج» مع شركة «لوك أويل» النفطية الروسية التي شملت «حقل غرب القرنة 2»، وهو من الحقول النفطية العملاقة. ثم وقّعت الحكومة نفسها في عام 2000 اتفاقاً ثانياً «للمشاركة في الإنتاج» مع شركة النفط الوطنية الصينية، وقد شمل «حقل الأحدب» النفطي العملاق، والثالث مع الشركة الفرنسية Total شمل «حقل مجنون» النفطي العملاق أيضاً. وبعدها وُقِّعت ثلاثة اتفاقات للخصخصة لحقول نفطية كبيرة مع إندونيسيا والهند وفيتنام. ومع ذلك، وبسبب العقوبات التي كانت مفروضة على العراق والحصار، لم تجرِ أي أعمال في الواقع على الأرض في أيٍّ من الحقول التي تشملها هذه الاتفاقيات .
ـــــ مستقبل النفط والغاز العراقيين غير مشرق. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن اللاعبين الرئيسيين (حكومتا بغداد وأربيل) لديهما الخطط نفسها لمستقبل هذه الصناعة. فهم قد بنوا سياساتهم المستقبلية على خصخصة القسم الأعظم من الثروات المؤممة من النفط والغاز. سياسة تتناقض مع المادة 111 من الدستور العراقي التي تنص على أن «النفط والغاز ملك لكل الشعب العراقي في جميع المناطق والمحافظات»، وبالتالي لا يمكن قانوناً تخصيصه.
ـــــ من الضرورى الانتباه إلى الخلافات الجدية بين حكومتي بغداد وأربيل، ويمكن معسكر مناهضة الخصخصة استخدام هذه الاختلافات الهامة لمصلحته.

أوباما ونفط العراق

إنّ الإدارة الأميركية الجديدة لأوباما ـــــ بيدن ليس لديها خلافات سياسية أساسية بشأن هذه المسألة. وهذا ما كان قد أشير إليه بوضوح في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 من تقرير مجموعة «دراسات العراق» في الكونغرس الذي عرض استراتيجية مشتركة للمدى الطويل من جانب كل من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. إنّ كلمات أوباما في خطابه في 27 شباط/ فبراير عن السياسات الجديدة لإدارته بشأن العراق، وقوله «إنّ الولايات المتحدة تعلن أن لا أطماع لها في أراضي العراق أو ثرواته»، لا ينبغي أن تؤخذ على أنها موثوق بها من الشعب العراقي، حيث إنّ الإجراءات في العراق من الإدارة الأميركية الجديدة، وشركات النفط ستظهر النيات الحقيقية.
إذا تمكنت واشنطن وشركات النفط العالمية من أن تنجح في السيطرة على العراق وخصخصة موارد النفط والغاز، فستكون قد حقّقت واحداً من أهم أهداف الحرب على العراق. لم نعد نحارب في جبهة النفط والغاز ضد حفنة من المتعطشين للحرب والمتعصبين الدينيين من المحافظين الجدد. اليوم، نواجه عدواً أكثر تطوراً وذكاءً متمثلاً في الإدارة الجديدة لأوباما ـــــ بيدن التي تتشاطر نفس الأهداف مع المحافظين الجدد، لكنها تستخدم أساليب وتكتيكات مختلفة. إذا نجحت الإدارة الأميركية وشركات النفط الاحتكارية في سعيها لخصخصة موارد النفط والغاز العراقية المؤممة، فإن ذلك لن يكون سوى الخطوة الأولى قبل الانتقال إلى فرض قوانين الخصخصة من هذا النوع على جميع دول الخليج التى قامت بعمليات تأميم موارد النفط والغاز عندها في الوقت نفسه الذي أمّم العراق موارده.
* محلل في الشؤون السياسية والطاقة مقيم في بريطانيا
(نُشر هذا المقال باللغة الإنكليزية على عدد من مواقع الإنترنت ومنها: http://www.zcommunications.org/znet/viewArticle/20925
http://www.uslaboragainstwar.org/article.php?id=18638)