داني الأمين
الدمار الهائل للمنازل والبنى التحتية الذي خلّفته الاعتداءات الإسرائيلية في تموز 2006، والأضرار الناجمة عن القنابل العنقودية والخروقات الجوية من الطيران الإسرائيلي، كلها عوامل مسببة لاضطرابات نفسية يعانيها أطفال وراشدون في الجنوب. عند الأطفال يمكن ملاحظة ممارسات كالتأهبّ للفرار واضطرابات في النوم والتبوّل اللاّإرادي والصعوبات التعليمية وغيرها. حوالى 1500 طفل ما زالوا ضحايا الحرب رغم توقفها، وهم يخضعون للعديد من وسائل التأهيل النفسي منذ شهر آب 2006 من جمعية أطفال العالم لحقوق الإنسان وشريكها اللبناني جمعية التأهيل الإنساني ومكافحة الأمية (ألفا) في 14 قرية جنوبية. لقد دُرّب متطوعون من أبناء تلك القرى لإنعاش 17 مركزاً افتُتحت منذ عامين، لتعليم الأطفال على التعبير وقراءة القصص وتنظيم كرمس وتنفيذ لوحات جدارية ونشاطات أخرى. تقول رئيسة جمعية أطفال العالم لحقوق الإنسان في لبنان فرنسواز ماكنتوش «إن النشاطات في المراكز تمكّن، بالإضافة إلى توفير الفرح اليومي للأطفال، من تمييز الحالات الأكثر تضرراً من الحرب، وكل ذلك بهدف وضع خطة متابعة نفسية خاصة بها». وتقول ماكنتوش إن «الجمعية بالتعاون مع جمعية ألفا قامت بنشاطات، من بينها لقاءات حوار فاقت المئة للأهالي والأمهات عبر الإصغاء لمشاكلهم للوقوف على كيفية التعامل مع هذه الصعوبات بإشراف اختصاصيين نفسيين»، وأضافت أن «عدد الحالات التي توبعت باستمرار هو 468 حالة، منها 397 للأطفال غير البالغين، وبعد عام ونصف من العمل استطعنا معالجة 55% من هذه الحالات التي تعتبر طفيفة، والبعض الآخر يحتاج إلى متابعة دقيقة من الاختصاصيين النفسيين، لكن لا وجود لمراكز في المنطقة للعلاج النفسي، وهذا يعيق عملية العلاج». وإذ رأت ماكنتوش أن «العديد من الأمراض النفسية التي يعانيها الأطفال ليست ناجمة فقط عن حرب تموز، بل أيضاً عن مشاكل اجتماعية واقتصادية يعانيها الأهالي، يؤكد ذلك رئيس جمعية التأهيل الإنساني ومكافحة الأمية (ألفا) ألبير أبي عازار الذي بيّن أن «بعض أمراض الأطفال النفسية ناجمة عن العنف المنزلي وأساليب تربوية قديمة، وتلك الناجمة عن البطالة والمشاكل الاجتماعية، وأيضاً بعض الحالات الناجمة عن التحرّش الجنسي». ورأى أبو عازار أن «الحروب المتعددة التي تأثر بها البالغون، وخصوصاً حرب تموز، أثّرت على سلوكهم التربوي مع أطفالهم، مثل العنف المنزلي وإيلاء الاهتمام للحاجة الملحّة للحماية، وخصوصاً عند أي حدث جديد ناجم عن تحليق الطيران المنخفض والخوف من امتداد حرب غزّة إلى لبنان، لذلك لجأنا إلى تدريب الأهل على كيفية التصرّف مع أطفالهم ومن ثم معرفة المشكلات النفسية التي يعانونها ومساعدتهم على حلّها». أمّا بالنسبة للأنشطة المتعلقة بالأطفال فقد قالت منسقة عمل الجمعيتين في تبنين سلمى فواز إن «أكثر من 400 طفل من عمر 5 إلى 13 عاماً خضعوا لتدريبات على التعبير بالغناء والرسم وكتابة القصص والأشغال اليدوية التي من شأنها التعرّف إلى حالة الطفل النفسية، إضافة إلى الرحلات والرياضة والكرمس المتنقل والأعمال المسرحية، وندرّب الآن بالتعاون مع وزارة التربية الأساتذة على برامج تعليمية تسمح بإدخال اللّعب في الدراسة والابتعاد عن التلقين والعنف المدرسي، وفي نهاية هذا العام نكون قد درّبنا الأساتذة في 14 مدرسة في 11 قرية».
ترى ماكنتوش أن «عدداً لا بأس به من الأطفال يعانون من الإفراط في الحركة، ما يزيد من الانعزال واضطرابات أخطر وآلام نفسية للطفل ولعائلته، أما المشاكل الكثيرة المتعلقة بالتبوّل اللّاإرادي فأغلبها يرتبط بالأزمات الأسرية والموت الفجائي في الحروب وغيرها والتغيير الاضطراري للسكن وسوء المعاملة والتحرّش الجنسي».