علي حشيشوأكتب إليك يا معروف سعد عن بعد 34 عاماً على رحيلك الطوعي عنا، فلقد اخترت طريق الشهادة فداءً لقناعاتك الوطنية والقومية. هل تعلم يا معروف ما حجم الهُزال الذي اعترى حياتنا السياسية من بعدك؟ فالنضال صار عاراً على معتنِقيه وفلسطين لفظة بالية يحمّلونها الهزائم الموقّعة بخياناتهم، حتى المقاومة التي أسستْ لمحاربة الأطماع الصهيونية بلبناننا صيّروها ميليشيا مذهبية!
«بروتيين» تلك التي ضحيت بدمك لصد خطر ابتلاعها صغار الصيادين تضخمت وأضحت سلطةً ونظام حكم وتحكم، لقد حوّلوا صيدا لا بل لبنان إلى بحر تأكل الحيتان الكبيرة فيه صغار السمك، لبنان صار «جمهورية بروتيين» يا معروف، لا وزن فيه لقيم وأخلاق، كلٌ له سعر، هذا ثمنه مقعد نيابي وذاك سفرة إلى السعودية وآخر قسط مدرسة. أفسدوا الناس الطيبين، حوّلوهم شحاذين على أبواب قصورهم العامرة بالمآدب والمناسف، حوّلوهم غنماً أيام الانتخابات يزوّرون بهم إرادة صيدا التي أحببتها وأحبتك.منذ متى كان صوت الشرفاء يعادل كيلوين من الأرز المصري ومثلهما إيطالي و3 علب سردين صفراء وكيلو رب البندورة ومجمع حلاوة وغالون زيت نباتي وعلبة حليب أطفال وكيس حفاضات؟ أتعرف منذ متى؟ منذ أن دخل غول المال الوسخ ساحة صيدا بهيئة أيادٍ بيض بقفازات خادم شريف جداً جداً!
في أيامك يا معروف كانت الزعامة زعامة، ثمنها مبادئ وأخلاقيات وإن تطلبتْ دماً فيا مرحب. هل تذكر صبيحة 26 شباط 1975؟ اليوم صارت الزعامة تصنعها علبة سمنة، أو «نزّل ابنك ع الحراسة ـــــ اسمها الحركي «العُمرة» ـــــ بـ400 دولار»، أو «خلّيه يحضّر وراقو عالسعودية بـ800 دولار آكل شارب نايم، منتخِب!». لوهلةٍ يا أبا مصطفى تظن أن انتخاباتهم المقبلة ستجري برعاية «الخطوط الجوية الملكية السعودية»، أو حليب «نيدو» وحفاضات «بامبرز». فسادهم وصل حد تخريب الأدب الشعبي، صاروا يؤمنون بـ«طَعْمي التِّم بتستحي الإيد وبتْسقطها زيْ ما هيي» و«بدل أن تعطيه سمكة علمه كيف يشحدها» منك يوم الانتخابات.