أسهم المنظّم الإلكتروني لدقات القلب في إنقاذ حياة آلاف المصابين بأمراض القلب، إلّا أن عمليات البحث عن بدائل بيولوجية له مستمرة منذ التسعينيات، أخيراً تمكّن باحثون أميركيون من التوصل إلى فهم دقيق لكيفية عمل الشبكة الكهربائية للقلب، وهذا ما يمثّل تقدماً مهماً نحو إنتاج منظّم بيولوجي لدقات القلب

غادة دندش
خطا باحثون أميركيون خطوة إضافية في اتجاه إنتاج منظّم بيولوجي لدقات القلب، يقوم هذا «الجهاز»بوظيفة المنظّم الإلكتروني المعتمد حتى اليوم لأداء هذه المهمة. يؤكّد العلماء أن هذا «الجهاز» البيولوجي ـــ عند اكتماله ـــ لن يحمل النواقص التي يعانيها سلفه الإلكتروني من جهة مدّة حياته القصيرة، وتثبيته لضربات القلب تثبيتاً يزعج المريض في بعض الأحيان، وذلك وفق ما جاء في موقع مجلة «Daily Science».
لقد أسهم المنظّم الإلكتروني في إنقاذ حياة الآلاف من الأشخاص منذ بدء اعتماده، وسيستمرّ في ذلك لفترة من الزمن. في التسعنيات بدأت عمليات البحث عن بدائل بيولوجية لهذا المنظم لتكون أكثر فاعلية، وقد بحثت فرق طبّية مختلفة في أنحاء العالم ـــ وبطريقة مستقلة بعضها عن بعض ـــ عن الإمكانات المختلفة في هذا المجال، من بينها فريق الدكتور ريتشارد روبينسون وزملائه في جامعتَي كولومبيا وستوني بروك في مدينة نيويورك. لقد نُشرت نتائج أبحاث هذا الفريق في المجلّة المتخصّصة Journal of Physiology. من أجل فهم طريقة عمل منظّمات دقّات القلب الإلكترونية وربّما البيولوجية في المستقبل القريب لا بدّ من عرض بسيط لطريقة تنظيمها في الحالات الطبيعية. يتمّيز قلب الإنسان في الحالات الطبيعية باحتوائه على شبكة كهربائية تعمل على استمراره نابضاً بطريقة منتظمة حوالى سبعين مرة في الدقيقة، قد تزيد الوتيرة أو تنقص في بعض الحالات أي مثل النوم أو الجري أو التوتّر العصبي. وتختلف هذه الدقات من شخص إلى آخر لكن انتظامها الدائم أمر ثابت. تتحكم الـ Sinoatrial node أو عقدة SA الموجودة أعلى الأذَين الأيمن في هذه الدقات، وترسل العقدة سبعين نبضة كهربائية في الدقيقة مغذّية الأذَينَين الأيمن والأيسر، بعدها تصل هذه النبضة إلى عقدة أخرى أعلى الحاجز الفاصل بين البطَينَين وتسمى Atrio Ventricular Node. وترسل هذه الأخيرة عدداً أقل من النبضات الكهربائية إذا لم تصلها النبضات القادمة من عقدة SA. بعد ذلك تنتقل النبضات الكهربائية إلى ضفيرة صغيرة تُسمّى الـ Au-Bundle وهي ترسل بدورها نبضات أقلّ عدداً من سابقاتها. هذه العملية المعقّدة تتضمّن مراحل أخرى متنوّعة يقوم بها القلب البشري تلقائيّاً في الحالات الطبيعية. لكن عناصر كثيرة قد تعطّل هذه الشبكة أو جزءاً منها، من ضمنها حدوث جلطة في الشرايين التاجيّة أو تعاطي بعض الأدوية أو بعض مضاعفات العمليات الجراحية بالقلب، ومنها الجراحات التي تعالج التشوّهات الخَلقية في القلب وغيرها. عند حدوث العطل الذي يعجز القلب في معظم الأحيان عن مداواته تلقائياً، يعاني المصاب هبوط الضغط وعدم القدرة على التركيز والوهن والعجز عن القيام بأي نشاط.
يعتمد الأطباء على أدوية معيّنة من أجل تنشيط الشبكة الكهربائية، وإذا فشلت الأدوية في معالجة المريض، يركَّب له جهاز تنظيم دقّات القلب الإلكتروني عبر أحد أوردة الجسم، أي عبر الوريد الساعدي أو الوريد الفخذي وصولاً إلى الأذَين الأيمن ثمّ البطَين الأيمن، وأحيانًا يركّب هذا الجهاز من خلال جراحة شقّ الصدر، وتثبيته على القلب من الخارج عبر القسطرة. تُصنع بطّارية المنظّم من الليثيوم في معظم الأحيان، ويُراوح العمر الافتراضي لها بين عشر سنوات واثنتَي عشرة سنة. هذا هو الأسلوب المعتمد حتى يومنا هذا في علاج عدم انتظام دقّات القلب. ما قام به الدكتور روبينسون وفريقه يلقي الضوء على طريقة عمل الشبكة الكهربائية في القلب البشري، وهي الشبكة التي تسلك النبضات الكهربائية فيها ثلاث قنوات منفصلة بين الخلايا، وتُعرف القنوات باسم قنوات HCN. لكن الأهم في عمل هذا الفريق ليس التوضيح الذي قدّمته تجاربه عن طريقة عمل القنوات، بل تمكّنه من زرع وتنمية خلايا تحاكي في أدائها أداء قنوات الـ HCN في قلوب الثدييات. عبر استخدام هذه الخلايا، تمكّن روبينسون وزملاؤه من تنشيط قناتين من أصل ثلاث قنوات لدى بعض الفئران المخبرية التي تعاني هبوطاً في دقّات القلب، لكن هذه النبضات أتت قوية وغير منتظمة. هذه النتائج ليست كافية، لكنّها تفتح الطريق أمام فهم أدقّ لكيفية عمل الشبكة الكهربائية للقلب، وتسمح بالتالي بإيجاد أدوية أكثر فعالية في علاج هذه الحالات، وكذلك تقرّب المسافة من إنتاج منظّمات دقّات القلب البيولوجية. وقد أكّد الدكتور روبينسون في تعليقه على أبحاث فريقه «أن هذه النتائج سوف تسهّل عملية تنمية منظّمات بيولوجية بسبب قدرتها على توضيح الطفرات المرضية الفردية، وذلك عبر محاكاة الحالة المرضية، ووسيلة تنبيه عمل الشبكة التي يمكن أن نقوم بها عبر استخدام الخلايا المزروعة مخبرياً، وذلك قبل أن نكمل تجاربنا على الحيوانات المخبرية».