راجانا حميةكان بكاؤها مسموعاً، رغم الضوضاء والموسيقى. أمس، في قاعة المسرح في قصر الأونيسكو، ركضت مسرعة من مقعدها الأمامي في المسرح إلى الخلف. جلست هناك وبكت حتى علا صوتها. اقتربت منها فتاة كانت تجلس إلى جانبها وحضنتها بذراعيها. علا الصوت أكثر، وبين الآونة والأخرى، كانت تردد العبارة نفسها «شايفتيها هونيك». تلوّح بيدها للواقفة «هونيك» وتعاود البكاء. هي ابنتها، تلك الواقفة على خشبة المسرح، ولكنها لم ترَ دموع أمها. كانت فرحة برقصة «الفراشات» التي راحت تؤديها ورفيقاتها من جمعيّة أصدقاء المعوقين ضمن إحدى فقرات مهرجان المواهب الخاصة. وهو المهرجان الذي تنظّمه الجمعية، بالتنسيق مع جمعيتَي رعاية اليتيم في صيدا، واللبنانية لرعاية المعوقين ودار الأيتام الإسلامية ومؤسسات الرعاية الاجتماعيّة، للمرة الأولى لذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان.
هذه الأم التي لم تتوقف عن البكاء، كانت واحدة من بين أمهات كثيرات غصت بهن القاعة. كما أنها لم تكن وحيدة في مشاعرها، فقد بكين هنّ أيضاً ولوّحن بأيديهن ورمين القبل للممثّلين، وصفّقن وتبادلن الأسئلة عن أطفالهنّ المعوّقين والطرق التي يعتمدنها لتجاوز المشاكل. لم تنته الأسئلة، ولم تقتصر على النساء فقط، فقد كان الآباء أكثر إلحاحاً في طرحها «خليهم يتعرّفوا على بعض بيصيروا يزوروا بعض..».
أمهات وآباء حضروا منذ الصباح الباكر للمشاركة في صبحيّة فنيّة أبطالها أطفال معوّقون... وبعض حضورها أيضاً. أما «الغريب»، قاصد قاعة المسرح المكتظة بهؤلاء فسيتعرف إلى عالم آخر مقفلة أبوابه على مجموعة من الأطفال والشباب المتشابهة أحلامهم. متشابهون في كل شيء، حتّى في طريقة تعاطيهم مع الآخر المختلف عنهم. ولم يكونوا ليجتمعوا هكذا معاً لولا هذا المهرجان المخصّص لأعمالهم الفنيّة.
عشرة أعمال فنية حفل بها مهرجان المواهب الخاصة، تركزت في معظمها على حركة الجسد وحدها والموسيقى الصاخبة، فيما العمل الوحيد الذي اجتمعت فيه حركة الجسد وصوت الموسيقى وأصوات الممثلين كان مسرحية «صوت الريح»، التي قدّمها 60 طفلاً من مؤسسة دار الأيتام الإسلامية ـــ التنمية الفكريّة.
بالعودة إلى الأعمال التسعة الراقصة التي أدّاها الأطفال، فقد ضاعت عيون بعضهم في مراقبة البعض الآخر. أمّا في الأعمال التي أدّاها المراهقون مثل رقصات الفراشات والراب والتعبيرية الوطنية فقد كان الممثلون فيها أكثر ارتياحاً وتناسقاً.
عشرة أعمال كانت ناجحة كمرّة أولى. هذا ما خرج به الحاضرون بعد ساعتين من الاحتفال. أما نجاحها الفعلي، كما يشير المنظّمون، فهو في «أنّها حفّزت الطلاب والطالبات ذوي الاحتياجات الخاصة على اجتياز حواجز إعاقتهم، وترجمة أحلامهم بأصواتهم وأجسادهم وحركاتهم».


حصّة الجيش

لم ينجُ مهرجان المواهب الخاصّة من الأحداث السياسيّة الأخيرة التي تعصف بالساحة اللبنانية، إذ لا بدّ أن يحلّ طيف لبنان الممزّق ضيفاً عليه. كان يمكن هذا الطيف أن يمرّ عابراً من خلال تحيّة أو أغنية لو أنّ الأوضاع لم تتخطّ ما نعرفه عن لبنان مسبّقاً، ولكن حادثة الاعتداء على الجيش في منطقة دار الواسعة في البقاع عدّلت في برنامج الاحتفال قليلاً، حيث قام طلاب مؤسسة دار الأيتام الإسلامية ـــ فرع شملان بأداء رقصة تعبيريّة وطنيّة خاصّة بالجيش اللبناني.
وفيما كان الطلاب يرقصون على أنغام أغنية «بيكفي إنّك لبناني»، كان زملاؤهم من المؤسسة يوزّعون على الحاضرين أعلام الجيش والأعلام اللبنانيّة.