من التصوير إلى الرسم على «تي شيرت». طوّعت فدوى أدواتها التعبيرية، وتحدّت قيود حرية التعبير بأشعار جاهين ورسم لنصر الله
القاهرة ـ محمد عبيه
مع أنها في الأصل «إسكندارنية» جداً، إلا أنها لا تمكث في مدينتها المحببة سوى لأيام معدودة من الشهر الذي تتوزع أيامه بين القاهرة والإسماعيلية والمنيا والمنصورة، وفي بعض الحالات... البرتغال!
اسمها «فدوى عطية». تخرجت من كلية الفنون الجميلة، قسم التصوير في جامعة الإسكندرية عام 2006، لكنها اختارت لاحقاً الكلمة والرسم للتعبير، لا عدسة الكاميرا. هذه المرة، لم يكن الرسم على ورق، بل على القماش، وتحديداً على «التي شيرت»، لتتحرر اللوحة من القاعات المغلقة، وتنزل إلى الشارع.
تشرح فدوى أن «الموضوع بدأ بالصدفة. برغبة خاصة بأن أرسم على ملابسي فقط. رسمت النمر الكارتوني «بينك بينتر» على «تي تشيرت» ولم أتوقع أن تتحول الهواية إلى مهنة إلا حين ذهبت يوماً إلى الجامعة وأنا أرتديها».
عندها كانت المغامرة، و«قررت أن أعرض أعمالي في الشارع، منطلقة من مبدأ أن من يرتدي «التي شيرت» لا بد من أن يشعر بأنه يرتدي لوحة تقدم رسالة ومضموناً ما لا مجرد ملابس عادية» كما تشرح.
كان أول اختلاط لها بالجمهور في أحد المهرجانات الخيرية التي نظمها نادي «سبورتنغ» في الإسكندرية، وحتى تقنع الناس بما تفعل، عملت على جذبهم برسومات كارتونية شهيرة، كما تقول، غامزة «كنت أرسم لهم ما يريدونه حتى يقتنعوا بما أفعل حتى يتسنى لي بعدها أن أرسم لهم ما أريده أنا».
أما لماذا اختارت «التي شيرت» تحديداً لتستخدمه أداة تعبر عن آرائها بالرسوم والكلمات، فلذلك قصة ترويها قائلة «التي شيرت أكثر شيء يتكلم هذه الأيام. ليس هناك شاب أو شابة لا يرتدون التي شيرت. فلماذا لا نستخدم ذلك في توصيل أي شيء؟ رسم أو كلمة مثلاً؟».
لكن فدوى كانت تواجه أكثر من تحد حين انطلقت في مغامرتها: أولاً حقيقة أنها فتاة في مجتمع لا يزال رغم أنه يبدو قد تحرر من ذلك، يحمل انطباعات سلبية عن عمل المرأة بالأساس، وخصوصاً حين يكون في الشارع. وثانياً أنها تحاول نشر ثقافة الجمال في بيئة منهكة تفتقر إلى الحس الجمالي العالي بفعل عوامل سياسية واجتماعية وثقافية ثقيلة. «طبعاً هناك من يتعامل معي باستخفاف. وهناك أيضاً من يطلب مني رسم «حاجات مش محترمة» أرفض رسمها، كما لا يزال هناك من هم غير مقتنعين بما أفعل بالأساس. لكنني مستمتعة بما أقوم به»، تقول لتبرهن إن استمتاع الإنسان بعمله يحقق النجاح.
نجاح تشي به المجموعة الخاصة بها على «فيس بوك» الذي بدأ بمئة عضو فقط وصار عدد أعضائه اليوم أكثر من أربعة آلاف. فقد نجحت فدوى في تسويق أكثر من700 «تي شيرت» في أقل من عامين بجهود فردية تماماً.
سفرها إلى البرتغال منذ أشهر عدة لحضور ورشة عمل خاصة بالرسم، هو الذي أضاف كثيراً إلى مشروعها، فأصبحت تكتب «الصبر» و»السلام» و»الحرية» باللغة العربية على «التي شيرت»، متجنبة الكتابة باللغة الإنكليزية كما هو سائد، لأنها، كما تقول، «اكتشفت هناك أن الإسبان يرتدون تي شيرت مكتوباً عليه بالإسباني فقلت لنفسي: وليه مافيش في مصر تي شيرت مكتوب عليه بالعربي؟».
تزيّن فدوى معظم «التي شيرت» بأشعار الكبير «صلاح جاهين»: من أبيات أوبريت «الليلة الكبيرة» إلى بعض أبيات رباعياته الشهيرة.
ولمواكبة الحدث السياسي والاجتماعي والفني، رسمت «فدوى» بعض الشخصيات الشهيرة على الساحة العربية مثل السيد حسن نصر الله، وأخرى فنية مثل بوب مارلي ومحمد منير.
طموحها لا يقف عند المعارض المتنقلة، فهي تحلم بافتتاح مركز فني كبير لإنتاج «التي شيرت» بكميات كبيرة، يكون بمثابة مدرسة للمهتمين بهذا الفن.
في النهاية، تقول «أبحث عن الحرية في عملي. لكنني أدرك أن هناك قيوداً دينية وسياسية واجتماعية وحتى اقتصادية ستظل قائمة، لكن المهم هو أنني أعبّر عما بداخلي بدلاً من السكوت الذي أصبح داءنا الأكبر».