مارسيل جعارةفي هذه الأيام التي يتهافت فيها الشباب اللبناني لشطب إشارة الطائفة عن تذكرة الهوية، لا يمكننا إلا الرجوع بالذاكرة إلى الجلسة الشهيرة التي عقدها مجلس الوزراء عام 1998 حيث تم التصويت على مشروع الزواج المدني الاختياري بأكثرية 21 صوتاً من أصل 30.
لن ننسى! وكيف ننسى «النعم» المتبادلة للزواج المدني الاختياري التي أطلقها الوزراء المسيحيون والمسلمون، والتي كانت «زواجاً مارونياً في وحدة الصف وطلاقاً بالثلاث للطائفية والفئوية والتعصب». كيف ننسى قرار أكثرية الوزراء، 21 من أصل 30. مَن جمّد المشروع؟
يعلم الجميع أنه المغفور له الرئيس رفيق الحريري ولا يزال المشروع مجمداً من دون أي سبب دستوري أو قانوني.
إن تجميد مشروع القانون الحضاري يعوق تحقيق الانصهار الوطني والوحدة الوطنية، وسيبقى وصمة عارٍ في تاريخ مَن كانت سياسته الهدر والضلوع في إرهاق البلاد بالديون التي يرزح تحتها العباد. العلمنة ليست تحرير المجتمع من الدين ومن الله، العلمنة ليست الإلحاد وليست حرباً على رجال الدين بل هي تنظر إلى الدين في ما يتعدّى الحرف واللباس والطقس. ليست رفض القيم الدينية. ليست شرقية ولا غربية. العلمنة ليست ضد الدين بل ضد الطائفية، ولذلك قلما تخلو المقالة العلمانية العلمية من آية قرآنية أو قول مقدّس أو حديث نبوي، فالمقالة العلمانية تزخر بالموضوعية والفكر النقدي الحضاري وتحرص دوماً على عدم إحراج أحد كما تتجنّب التشهير بمَن هم موضوع نقدها.
العلمنة لا دخل لها باليمين أو باليسار أو بالدين. والسلطة في الإسلام هي شأن بشري وليست شأناً إلهياً، والإسلام في هذا الجانب علماني يحمي العلمنة ويدافع عنها.
وإننا نرى على غرار ما يراه العلاّمة الأمين أن العلمنة الحقيقية في روحها وفي مقاصدها لا تتنافى مع التعدد الديني والثقافي بل تقرّه ولا تهرب من موجباته بل تحميها.
العلمانية بمفهومها الصحيح هي جوهر المسيحية والإسلام. وعلى الأقل فإن بوسعنا، في لبنان، أن نأخذ من العلمنة ما لا يتنافى مع موجبات أدياننا (والكلام هنا للعلاّمة الأمين) فلماذا نُحرم من أهم خصائص العلمنة بذريعة الحرص الكاذب على الدين؟
«أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه».