عثمان تزغارت
غابت عن الساحة الفنية ست سنوات. لم تكتفِ خلالها بعدم الظهور في أي عمل جديد، بل ابتعدت عن المناسبات العامة أيضاً. بعض النقّاد بدأ يروّج لقرارها التواري عن الأنظار نهائياً، «لتُخفي عن محبّيها آثار تقدّمها في العمر»! لكن إيزابيل أدجاني (54 سنة) لا تزال هنا، لحسن الحظّ! تضحك ساخرة من الأقاويل، هي التي اعتادت حروب الشائعات إذا جار التعبير. تقول: «أنا ممثلة بالمفهوم المسرحي للكلمة (Comédienne)، لا نجمة إغراء. ولم يُنظَر إليّ في أي مرحلة من حياتي الفنية على أنني «قنبلة جنسية». لماذا غابت عن الساحة إذًا؟ بعدما تقاسمت بطولة «شيطانيّة» للمخرج جرميا شيشيك، مع شارون ستون (1996)، ثم أدّت دور البطولة في «باباراتزي» للمخرج ألان بيربيريان (1998) وابتعدت عن الشاشة... وبعد إطلالات متفرّقة بين 2002 و2003 غابت دفعة واحدة حتّى الأمس القريب. تجيب: «قرّرتُ التفرغ لتربية ابني جبرائيل ــــ خان، ابنها الثاني الذي ولدته سنة 1995 من الممثل دانييل داي لويس. بعض الرجال لا يدركون أهمية هذه المهمة لأمّ تريد أن تربّي ابنها وحدها. ويرون أنني ديماغوجية حين أقول إنّني ابتعدت عن الساحة الفنية فقط كي أتفرّغ لتربية ابني».
«الحياة قصيرة جداً» تؤكّد إيزابيل بإصرار... لا يجوز أن نترك الشهرة تفوّت علينا اللحظات الثمينة التي يجب أن نقضيها كما نحبّ في رأيها، قرب أفراد عائلتنا مثلاً: «أذكر أنني كنت شرعتُ في تمثيل دور البطولة في رائعة جان ــــ لوك غودار «الاسم كارمن» عام 1983 («الأسد الذهبي» في مهرجان البندقية)، وإذا بوالدي يتعرّض لأزمة صحية خطيرة. عندذاك ألغيتُ مشاركتي في الفيلم، لأقضي معه الأشهر الأخيرة من حياته».
وكما ذكرنا، فالشائعات ليست غريبة عن حياة أدجاني. كذلك رافقت التكهّنات غيابها الطويل عن الساحة الفنية، فإن عودتها المدويّة إلى الواجهة أخيراً، في فيلم «عيد التنورة» لجان بول ليلينفيلد (راجع الصفحة الـ17) لم تمرّ على خير. إضافة إلى المتاعب التي واجهها الفيلم الشجاع والمزعج، صُدم الجمهور بإطلالتها على خشبة الليدو لتسلّم إحدى جوائز «غلوب دو كريستال» مناصفة مع مخرجها ليلينفيلد. اختارت ايزابيل أن تطبع وشماً أسود يمتدّ من جيدها إلى خدّها الأيسر، كتحيّة إلى الـLido وتاريخه الاستعراضي... واحتجاجاً على فظاظة مقدّم الاحتفال جان ـــــ لوك دولارو، مع النساء، وتحديداً مع صديقتها المخرجة الجزائرية يامينة بن غيغي (تستعد إيزابيل لتصوير فيلم بإدارتها بعنوان «لم تعد هنالك أماكن شاغرة في الجنة»، تتقمص فيه دور وزيرة فرنسية من أصل مغاربي!).
شاهدت أدجاني المشهد من غرفة الماكياج، قبل صعودها على الخشبة، فاتفقت مع اختصاصيّة التجميل على هذه الإطلالة غير المألوفة أمام الكاميرات. ذهل دولارو فعلاً، لكنّ بعض الصحافة كان مذهلاً في ردود فعله التي لامست العنصريّة: «جميعنا يعرف أصولها العربية، فلا داعي إلى تلطيخ وجهها بالحنّاء لتذكّرنا بها!»، علّق أحد الصحافيين. بينما رأت صحيفة أخرى أن تصرّفها ينمّ عن «استفاقة متأخرة لأصولها العربية... بعدما تجاوزت الخمسين!».
هل عادت متأخرة إلى أصولها العربيّة؟ نسأل... ليس الأمر كذلك على الإطلاق تردّ باستهجان: «كثيراً ما استهوتني الشخصيات ذات الأصول العربية. أذكر أنني توسّلتُ إلى المخرج موريس بيالا كي يُسند إلي دور «نورية»، ذات الأصل الجزائري، في فيلمه «بوليس» (1985)، لكنّه كان غاضباً مني لأنني رفضتُ عروضاً سابقة منه للمشاركة في فيلميه «لولو» و«من أجل حبّنا». هكذا أسند الدور إلى صوفي مارسو». ثم تتوقّف أدجاني فجأةً عن الكلام، تقطّب حاجبيها، ويعكّر الاستياء صفو عينيها الزرقاوين: «حتى لو لم أكن واعية لأصولي، فالمجتمع الفرنسي لم يفوّت أي فرصة لتذكيري بها. لقد واجهت في كلّ مرحلة من مسيرتي امتحانات صعبة يشوبها الكثير من العنصرية».
كيف يمكن نجمة سينمائية هي الوحيدة التي نالت جائزة «سيزار» (المعادل الفرنسي للأوسكار) أربع مرات، وتعدّ الأكثر شعبية بين بنات جيلها في فرنسا، أن تشكو من التفرقة العنصرية؟ تجيب: «بالفعل، انفتحت أمامي أبواب النجاح بسرعة، واستطعت دخول الـ«كوميدي فرانسيز»، وأنا في الرابعة عشرة. نلت جوائز كثيرة، ومثّلت تحت إدارة مخرجين كبار، من فرنسوا تروفو إلى رومان بولانسكي، ومن أندريه تيشيني إلى جيمس إيفوري، لكنني لم أنسَ أنني ابنة المهاجر الجزائري محمد الشريف القادم من قسنطينة، وأنني نشأت في حي شعبي فقير من أحياء الضواحي الباريسية. صحيح أنني أعتبر نفسي باريسية بامتياز. باريس هي المدينة الأحب إلى قلبي، إلا أنّني أكاد أفتقد الإحساس بأنني فرنسية. كل ما حقّقته من شعبية ونجاح لم يحمني من الأقاويل والشائعات التي طاردتني منذ تجرأت على اتخاذ مواقف سياسية صريحة ضد صعود اليمين المتطرف العنصري في فرنسا. بلغت إحدى تلك الشائعات حد الترويج في وسائل الإعلام الفرنسية بأنني توفيت بمرض الإيدز عام 1987!»
تتنهّد «الملكة مارغو» (باتريس شيرو، ١٩٩٤)، وتحكي عن جديدها «عيد التنّورة»: «ها أنا أقدّم فيلماً للمرافعة عن قيمة فكريّة وحضاريّة بالغة الأهمية، بالنسبة إلي، وهي العلمانية. فإذا ببعضهم لا يرى في الفيلم سوى وسيلة أجاهر بها ــــ أو أتبجّح ــــ بأصولي العربية!». مبادرتها الأخيرة يمكن إدراجها في سياق مواقف عدّة، أثبتت خلالها أدجاني أنّها فنانة ملتزمة، أو معنية بالشأن العام. فقد اغتنمت فرصة تسلّمها جائزة «سيزار» للمرة الثالثة عام 1989، لقراءة مقتطفات من «آيات شيطانية»، تضامناً مع سلمان رشدي، إثر فتوى الإمام الخميني بإعدامه، كما أبدت اعتراضها على التصريحات الأخيرة لبابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بشأن عدم ضرورة استخدام الواقي الذكري لمكافحة مخاطر الأيدز.
وتختم قائلة: «بعد كلّ هذه السنين من سوء الفهم المتبادل، أشعر بأن السبب يكمن ربما في أن ميولي الفكرية وأذواقي وحساسيتي كلها ليست فرنسية. أنا بطبعي أعبّر عن مواقفي وأفكاري بعفوية من دون مواربة. ولم أكن أتصوّر أنّ هذه الصراحة ستقودني إلى اكتشاف الوجه الآخر لفرنسا: أي العنصرية! رغم كل النجاح والشعبية اللذين أحظى بهما، ما زالت بعض فئات المجتمع الفرنسي تصرّ على تذكيري، في كل مناسبة، بأني أجنبية. وأنا بدوري لم يعد يهمني الأمر. أنا فخورة بأصول والدي العربية، وأصول والدتي أوغستا الألمانية. عدا ذلك، أعتبر نفسي امرأة حرّة وكوسموبوليتية، ولست مدينة لأحد بأي شيء».


5 تواريخ

1955
الولادة في حي شعبي في ضاحية جونفيلييه، شمالي العاصمة الفرنسيّة، لأب جزائري وأم ألمانية

1969
مثّلت للمرّة الأولى على خشبة الـ «كوميدي فرانسيز» العريقة

1974
عرفت الشهرة دفعة واحدة في دورها السينمائي الأول في فيلم «الصفعة» لكلود بينوتو

1981
نالت جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان» عن فيلمين من بطولتها شاركا في المسابقة الرسمية تلك السنة، وهما Possession (مسكونة) لأندري زولافسكي وQuartet (رباعي) لجيمس إيفوري

2009
تعود إلى الشاشة في «عيد التنورة»، وهو فيلم إشكالي لجان بول ليلينفيلد يتطرّق إلى واقع أبناء المهاجرين في ضواحي المدن الفرنسيّة