الكفير ــ عساف أبو رحالجلس أبو جهاد (70 عاماً) على كرسي صغير في حديقة داره في الكفير ــــ قضاء حاصبيا، يتأمل في أعمال الهدم الداخلية والسقف الترابي في منزله، الذي يعود تاريخ بنائه إلى أكثر من 200 عام. واجه المنزل العوامل الطبيعية والاعتداءات الإسرائيلية وبقي صامداً إلى أن أتت الساعة التي قررت فيها العائلة إعادة الترميم بعدما تهالكت جسور السقف الخشبية نتيجة الرطوبة ومرور الزمن.
منزل أبو جهاد بناه جده، حنا أبو صعب، بالأموال الاغترابية، إذ كان يعود من سفراته الثلاث إلى أميركا بمبلغ وفير من الليرات الذهبية «العثمانية»، عملة ذلك الزمان.
هنا عاشت، كما يقول أبو جهاد، أربعة أجيال لم تأل جهداً في الحفاظ على طابع المنزل وهيكليته قبل أن تحاربه الطبيعة في السنوات القليلة الماضية وتفقده مناعة الصمود في وجه العواصف. باتت المياه ترشح من السقف الترابي مع كل شتوة، ما يعرّضه للانهيار والسقوط.
لهذه الأسباب استعاض أبو جهاد عن التراب بالإسمنت المسلح من دون المساس بالهيكلية الخارجية ذات الطابع التراثي، «ليكون مستقبلاً غاب السباع وجنة الحلوين»، كما تقول أغنية الفنان وديع الصافي.
ويقول: «تعرض المنزل للقصف المعادي مرتين وأعيد ترميمه على نفقة ساكنيه، وترميم اليوم يرمز إلى الصمود والبقاء وعنوان لتمسك المواطن الجنوبي بأرضه». ويبدي ارتياحه للحفاظ على هذا المنزل عربون وفاء لأجداده الذين بنوه وتعبوا في الحفاظ عليه.
يجزم أبوجهاد بأنّ منزله هو المنزل التراثي الوحيد الباقي في المنطقة. ولا يخفي الرجل أنّ هذا النمط المعماري يستلزم صيانة دورية دقيقة. ويوضح «أنّ لا قدرة لنا على تحمّل العناء، وخصوصاً لجهة حدل السطح وزحف الثلج». «السطح يحتاج إلى عناية خاصة»، يقول. لذا كانت عملية الترميم، بالنسبة إليه، المخرج الأنسب. ويعزي نفسه بأنّه سيحفاظ على المظهر الخارجي ويبدل التوزيع القديم للغرف بآخر جديد وفق تصميم هندسي حديث، شرط عدم المساس بالقناطر التي تعلو المدخلين الشرقي والغربي والشبابيك القديمة الشكل والمقاسات.
ويشرح أنّ المنازل القديمة الطراز أفضل من الحديثة لأسباب عدة، منها ارتفاع السقف الخشبي، الجدران الصخرية، فتحات للتهوئة، موزع يتوسط المنزل من الشرق إلى الغرب ويقسمه إلى قسمين، ما يتيح مرور تيار هوائي صيفاً. لكن ضيق ذات اليد بالنسبة إلى الصيانة والترميم كان سبباً أساسياً في استبدال التراب بالإسمنت المسلح.
منزل أبو جهاد صمد في مواجهة رياح التغيير، محافظاً على طابعه التراثي القديم، في دلالة على متانة البناء ويسر أصحابه آنذاك، ولو توافرت له الرعاية والتمويل لبقي على حاله صامداً بمعداته ومستلزمات صيانته من المحدلة التي استراحت بعد طول عناء إلى «زاحوف» الثلج الذي حط رحاله مركوناً في إحدى الزوايا ليوقد حطباً في النار. أما جرن الكبة ومدقته الخشبية المصنوعة من خشب السنديان فسيتصدران المنزل ليذكّرا بالعراقة والتقاليد والعادات العربية القديمة.


مواصفات الصمود

يستمتع أبو جهاد في الحديث عن مواصفات منزل جدرانه من الحجر الصلب والطين المجبول مع التبن وسقفه من خشب «الحور» الذي نقل على ظهور الجمال من بلدة قب الياس البقاعية. وتعلو الخشب طبقة من القش فوقها تراب بسماكة 30 سنتيمتراً. وقد استخدمت مادة «الدلغان الأبيض» لمنع تسرب مياه الأمطار، ما يعطي دفئاً في الشتاء وبرودة في الصيف، كما يؤكد. أما حجارة البيت فمصدرها مقلع قريب من البلدة بناها بناؤون مهرة من آل مجاعص من بلدة ضهور الشوير في جبل لبنان. هذه المواصفات، يقول، غير موجودة في المباني الحديثة التي لا تراعي أبسط القواعد الصحية.