«توفاريتش»إنّها السابعة مساءً. يغادر طلّاب مجمّع الحدث كليّاتهم والإرهاق بادٍ عليهم. على الباب الشرقي، شبّاك صغير يقبع وراءه دركي. يجلس هناك وعلى عاتقه تقع مسؤولية أمنية كبيرة في جامعة كتلك، فيها من الطوائف والأحزاب ما يعجز عن احتواء عنفه جيش، فيما لو اشتعلت الشرارة.
يراقب السيّارات، يفحصها على آلته ويفتح صناديقها للتأكّد من محتوياتها. يعرف بعض أصحابها من الطلّاب والأساتذة فيسمح بمرورهم من دون الإجراءات المعتادة. أمّا الغرباء، فالتعليمات واضحة بشأنهم، ودخولهم ممنوع.
على ذلك الباب، وصل أحدهم بسيارته الفخمة، تزيّن زنوده أوشام كثيرة.
بالكاد حيّا الدركي، آمراً إياه بفتح البوابة. فما كان من عنصر الأمن الداخلي إلا أن نفّذ التعليمات ورفض رفع العارضة. فلماذا يدعه يدخل وسيارته لا تستوفي الشروط الأمنيّة المطلوبة من الجامعة من أوراق ثبوتيّة ووكالات وتأمين، فيما يمضي آخرون ساعات وأيّاماً للاستحصال عليها؟ ولماذا يتركه يتجوّل بسيارته وهو لا يملك أي أوراق تثبت أنه طالب في الجامعة؟ ولماذا يريد الدخول وقد انتهى الدوام الدراسي منذ ساعة؟!
عندما رآه الشرطي مصرّاً متعنّتاً، خرج من غرفته وتوجّه إليه محاولاً أن يشرح واقع الأمر. فما كان من صاحب السيارة إلّا أن ترجّل وانهال بالضرب عليه. «حلاش وكماش» وتدافع وتبادل خبطات، تناول الشرطي على أثرها سلاحه وسلّطه على رأس السائق الشاب صارخاً: «مشي قدّامي ولاه!... حطّ إيديك على راسك ومشي قدّامي!».
سار الشاب أمامه، ولكنه، مع كل خطوة، كان يطلق تهديداً وهو يسرد تاريخ قبيلته المشهورة بالقتل والاقتصاص، ويحذّره بأنّه لو أذاه سيندم.
توجّها معاً نحو مبنى إداري في مكان ما في المدينة الجامعيّة.
هناك، بعد التدقيق في الهويّة وإجراء «الاتصالات» اللازمة، تبيّن أنّ الشاب عضو ناشط في حزب وابن لأحد أركانه المهمين. كان ذلك كافياً لإطلاق سراحه، ومع الاعتذار منه طبعاً، مع لفت نظر الشرطي «الطائش» إلى ضرورة عدم تسرّعه في اتخاذ القرارات والتأكّد من هوية السائق في المرّة المقبلة!
تفرض تلك الواقعة توجيه سؤال بريء إلى المرشحين عن الانتخابات النيابية المقبلة، والذين ينادون باستقلال قرار الجامعة اللبنانية: كيف تستقيم جامعة يضرب فيها ابن حزب أو قبيلة عنصراً من الأمن الداخلي ويفلت من العقاب؟