انسحبت القوات الأميركية، أمس، من مدينة أور الأثرية، بعد احتلال دام خمس سنوات، وأخلت موقعاً أثرياً يعدّ من أهم المواقع الأثرية في العراق والعالم. انسحاب الاحتلال يأتى بعد مفاوضات طويلة بين الأميركيين والعراقيين، الذين استندوا إلى تقرير من المتحف البريطاني يؤكد أن وضع الموقع في خطر

الناصرية ـــ أحمد ثامر جهاد
كانت مدينة أور، بالنسبة إلى غالبية العراقيين، طوال السنوات الخمس الماضية، تعني الوقوف على الحواجز الإسمنتيّة والأسلاك الشائكة ونقاط التفتيش وعناصر شركات الأمن المدجّجين بالأسلحة. إنه انتظار ثقيل وملزم لتلقّي إشعار التقدم خطوة بطيئة واحدة، تليها خطوة أخرى يُطلب فيها إبراز بطاقة الأحوال الشخصية، ومن ثم الاستعداد لأياد سوداء وبيضاء تفتش في ثنايا جسدك الخائر بحثاً عن شيء ما غير عادي.
لكن أور اليوم عادت إلى العراقيين. وقد بذلت حملة «لجنة الدفاع عن أور»، التي تضم عدداً من مثقفي الناصرية وممثلي بعض المؤسسات الثقافية، جهداً متواصلاً، ومن دون كلل، لتحقيق ذلك. ودائماً، لتحرير مدينة أور، رمز الحضارة السومرية، من أسر الاحتلال الأميركي.
وعلى إيقاع الحملة الإعلامية ونشاطاتها وتحركاتها، بدأت المفاوضات غير الرسمية بين الجانبين العراقي والأميركي، بهدف تسليم المدينة الأثرية إلى هيئة الآثار العراقية ممثلةً بدائرة آثار ذي قار، وأن تكون حماية المنطقة المذكورة من مسؤولية قوة حماية الآثار التابعة لمديرية حماية المنشآت الحيوية. على أن يتولى الجيش العراقي حماية المدينة الأثرية والمناطق المحاذية.
وذكر مدير دائرة آثار محافظة ذي قار، عبد الأمير الحمداني، لـ«الأخبار» أن إعادة انتشار القوات المتعددة الجنسيات يعني رفع الحواجز ومراكز المراقبة من الطريق المؤدية إلى أور، ولا سيما تلك المؤدية إلى تل الدكدكة، الذي أثبت المسح الميداني أنه كان يمثّل رصيف الشحن من نهر الفرات إلى مدينة أور، في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. واليوم سلّمت القوات الأميركية الموقع بعدما أزالت الحواجز ونقاط التفتيش.
يتضمّن الاتفاق، بحسب الحمداني، «قيام دائرة آثار ذي قار بتسلّم بنايتين تقعان في مدينة أور، لتكون الأولى مقراً للحراس المدنيين وعناصر قوة حماية الآثار، فيما تخصص الثانية لمراقبة آثار المدينة من جانب فريق من الاختصاصيين للشروع في عملية تصوير الأضرار التي لحقت بالمدينة طيلة العقود الأربعة الماضية وتوثيقها وجردها».
وكانت جلسات المفاوضات تجري شهرياً، وتضم من الجانب العراقي أطرافاً عدة، هي: هيئة الآثار ممثلةً بدائرة آثار ذي قار باعتبارها الطرف المسؤول فنياً وإدارياً وقانونياً، ومديرية حماية المنشآت الحيوية في ذي قار، التي تضم قوة حماية الآثار المعنية بتوفير الحماية الميدانية المباشرة لمدينة أور. إضافةً إلى مدير العمليات في الفرقة العاشرة في الجيش العراقي المسؤولة عن حماية المناطق المحيطة بأور. وأمّا أميركياً فكان الممثل هو المقدم نيلسون، من الشرطة العسكرية، ومسؤولة قسم العلاقات والإعلام في قوات الاحتلال في الناصرية.
وأكد الحمداني «أنه لن يجري افتتاح الموقع أمام الزوار في القريب العاجل، لأن الموقع بحاجة إلى صيانة. ومن المرجّح أن تقوم هيئة الآثار العراقية بإحاطة مدينة أور بسور خاص لحماية المواقع الأثرية، ومن ثم تسهيل الإجراءات المتعلّقة بالصيانة الوقائية للمعالم الأثرية الشاخصة المبنية بالآجرّ الطيني، والمتضمنة رفع التربة ومعالجة الجدران. ومن أهم تلك الآثار، الطبقة العليا للزقورة أور وحارة المعابد ومعبد «نن ـــ ماخ» والمقبرة الملكية.
على صعيد آخر، أشار الحمداني إلى وجود اتفاق مبدئي بين هيئة الآثار العراقية ووزارة الثقافة الإيطالية لتأهيل متحف الناصرية وترميمه، ويتضمن ذلك إنشاء مخازن للآثار ومختبرات ومكتبة وقاعة محاضرات ملحقة بالمتحف.
وكانت مدينة الناصرية قد شهدت خلال السنوات الخمس الماضية تعاوناً بين الجانبين العراقي والإيطالي، في إطار المحافظة على الآثار، ولا سيما في مدينة أور خاصةً. إذ نُظِّمت ورشة تدريب على التراث الثقافي والآثار، استمرت أربعة أيام وشملت موضوعات من بينها: تنظيم التنقيبات الحديثة واستخدام نظام GPS ورسم الخرائط الطوبوغرافية. وشارك في الدورة 16 مشاركاً بينهم ثمانية مدرّسين لمادة التاريخ القديم، من كليّتي الآداب والتربية في جامعة ذي قار، وثمانية اختصاصيي آثار، من دائرة آثار ذي قار. كذلك، أهدت جامعة روما إلى دائرة الآثار وجامعة ذي قار نحو مئتي كتاب تُعنى بتاريخ بلاد ما بين النهرين، حضارةً وكتابة وتفكيراً.
ومدينة أور الأثرية والمنطقة المحيطة بها تتعرضان منذ فترة لإطلاق عدد من القذائف والصواريخ من مسلّحين مجهولين يستهدفون القوات الأميركية المرابطة قرب المدينة الأثرية التي كانت تستعملها الجيوش مركزاً سياحياً دينياً بامتياز. فكانت تدخل الموقع الأثري (من دون أي رقابة) قوافل من الجنود تأتي لزيارة «مدينة أور باعتبارها مدينة النبي إبراهيم. لكن، الآن وقد عادت الأمور إلى نصابها، فلا بد من أن يتغير الوضع وتعود الأمور إلى سابق عهدها».