يبدأ اليوم أسبوع المطالعة، ويمتد حتى 9 أيار. في هذه المناسبة، يقتضي التنويه بجهود مكتبة الباشورة العامة التي دأبت منذ افتتاحها عام 2000 على تحفيز الأطفال والشباب على القراءة

هاني نعيم
عند التاسعة صباحاً، يكون الرجال المسنّون الوافدين الأوائل إلى مكتبة الباشورة. يجلسون في «صالون الصحافة» لقراءة الجرائد. يمر الوقت، فتبدأ وتيرة الحركة بالتصاعد، ويتوالى حضور الشرائح العمرية الأدنى إلى المكتبة. تدخل مجموعة طلاب من مدرسة رسميّة، ترافقهم معلّمتهم، للمشاركة في ندوة عن الموسيقى الشرقيّة في صالة القراءة. أغلبهم يزورون المكتبة للمرّة الأولى، التي حكماً لن تكون الأخيرة بالنسبة إليهم.
فالمكتبة قد اتخذت من تشجيع الشباب والأطفال على القراءة تحدّياً. وضمن خطّتها لمواجهته، تستقبل زيارات المدارس الرسميّة والخاصة، التي تهدف، في إطارها، إلى «تعريف الطلاب بمتعة المطالعة، وكسر الرهبة من الكتاب لديهم، بالإضافة إلى تعليمهم كيفيّة إجراء بحث في المكتبة حتى التوصّل إلى الاستقلاليّة التامة والاعتماد الكامل على النفس في التعاطي مع الوثائق»، كما توضح مسؤولة مكتبات بيروت في جمعيّة السبيل، كلاريس شبلي، التي تلفت إلى أن زيارات الطلاب هذه تخلق حافزاً للتلاميذ لزيارة المكتبة مع أهاليهم في وقت لاحق.
وكان القيّمون قد اكتشفوا، خلال الدراسة الاجتماعيّة، التي قاموا بها في محيط حيّ الباشورة بهدف اختيار مكان افتتاح أول مكتبة عامّة في بيروت عام 2000، أن 22 مدرسة رسمية من مدارس المنطقة تخلو من المكتبات بداخلها. من هنا، لم يكن اختيار حي الباشورة مكاناً للمكتبة العامّة بالصدفة، إذ سدّ وجود المكتبة هناك ثغرة عدم وجود المكتبات في المدارس المجاورة. أما بالنسبة إلى الأخرى البعيدة، فخدمة للهدف ذاته في تعزيز حسّ المطالعة لدى الطلاب، دأب المنشّطون العاملون في المكتبة على زيارتها مصطحبين الكتب، لينظموا للطلاب حلقات القراءة ويعيرونهم إيّاها»، كما تقول شبلي.
تكتظ المكتبة بالطلاب شيئاً فشيئاً، تمهيداً لحضور الندوة الموسيقية.
بالنسبة إلى الطالبة فرح عقيل (16 سنة)، ستكرر الزيارة خارج دوام المدرسة، وقد تستعير كتباً منها، «لاحظت أنو كل أنواع الكتب موجودة فيها». أما الطالب أبراهيم حنّاوي (18 سنة) فلاحظ النظام والترتيب والهدوء، و»أفكّر بزيارتها في عطلة الربيع، والتردد عليها في أوقات الفراغ».
على مقربة من أرفف المكتبة، الطالب الجامعي علي المولى يراجع دروسه قبل الامتحان، يتردد على مكتبة الباشورة منذ 4 سنوات تقريباً، بعدما تعرّف إليها من خلال مدرسته، ويقول: «كنت أستعير منها الكتب كمراجع لأبحاثي المدرسيّة، أما اليوم، فغالباً ما أزورها لمراجعة دروسي».
لا تقتصر زيارات المكتبة على الطلاب والمدارس، بل إن العديد من الأهل يصطحبون أطفالهم. رولا فوّاز وزوجها يصطحبان أولادهما الثلاثة كل جمعة من أجل حصّة القراءة وتغيير الكتب التي استعاروها.
تمتد «المكتبة العامة لبلديّة بيروت» على مساحة 350 متراً مربّعاً. تنقسم إلى صالة قراءة وصالونين، أحدهما لقرّاء الصحف والدوريّات، وآخر مخصّص للاطفال. وتضم حوالى 24500 كتاب ومرجع موزّعة بين «التاريخ» و»الفنون» وما بينهما من جغرافيا وسياسة وآداب وعلوم أنسانيّة وطبيعيّة، وغيرها وباللغات العربيّة والفرنسيّة والأنكليزية، بالإضافة إلى 200 كتاب باللغة السريلانكيّة، «لكونَ المكتبة ترفض استقبال النساء اللواتي تفرضن على مرافقاتهنّ من العاملات في البيوت الأهتمام بالأولاد فقط في خلال رحلتهم إلى المكتبة»، تقول شبلي.
وتوضح قائلة إنّ «المعرفة للجميع، وليست حكراً على أحد. ونحن بدأنا بكسر هذه الحالة، ويمكن العاملات من الجنسية السريلانكيّة قراءة الروايات الأدبيّة الخاصة ببلادهن». وتوفر المكتبة الكتب الجديدة الصادرة في السوق، «وهذه مسألة تشجّع الناس على زيارة المكتبة وتخفف عنهم في ظل الأزمات المعيشيّة» كما تشرح.
أما عن نسب الزوّار، ففي سنواتها الأربع الأولى، بلغ عدد زوّار المكتبة حوالى 150 شخصاً يوميّاً، أغلبهم من طلاّب المدارس. لكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتدهور الوضع الأمني والسياسي من انقسامات وتظاهرات واعتصامات، امتدّت إلى أيّار الماضي، تأثرت حركة زوّار المكتبة ووصلت إلى حدود 60 شخصاً يوميّاً، وخصوصاً أن المكتبة على مقربة من وسط المدينة.
وتنظّم المكتبة، بدعم من مؤسسة آناليند الأورو ـــــ متوسّطية وبتمويل من مؤسسة سيدا السويديّة، نشاطات ثقافيّة وفنيّة وتربويّة أسبوعيّة. كل اثنين تُعقَد أمسية موسيقيّة (سماع وتحليل) مع الموسيقار الياس سحّاب والزميل بشير صفير. وللشعر حصته، إذ تستضيف شعراء لبنانيين معروفين مع شعراء شباب يصاحب ندواتهم عزف على العود. وأحياناً تستضيف الشاب أحمد العايدي في سهرة مع الحكايات الشعبيّة من التراث الفلسطيني.
إضافة إلى تلك النشاطات، اعتمدت المكتبة نظام الإعارة لتتيح بذلك للمشتركين الاحتفاظ بالكتاب لمدّة 3 أسابيع، مقابل بدل رمزي هو 10 آلاف ليرة لبنانيّة يدفع لمرّة واحدة مدى الحياة، «وهذا ما يؤهّل كل الطبقات الاقتصاديّة للوصول إلى المعرفة» على حد تعبير شبلي. نظام يستفيد منه حوالى 1241 مشتركاً حتّى الآن، على أمل أن يزيد العدد في السنوات المقبلة.


لنشاطات الأطفال حصة الأسد

كل نهار جمعة، في تمام الساعة الرابعة عصراً، يقصد الأطفال برفقة ذويهم أو في رحلة من تنظيم مدارسهم، المكتبة، ليستمعوا من رندة أبو الحسن إلى قصة جديدة، تتلوها على مسامعهم باللغات الثلاثة. ومرّة كل شهر، يقصدونها لحضور فيلم.
فالقسم المخصص للأطفال يأخذ حيّزاً واهتماماً كبيرين. وتوضح شبلي: «نركّز على الأطفال ونشجّعهم على المطالعة لأن ذلك سيسهم إلى حد كبير في تكوين شخصياتهم».