كرمى سلامةالساعة الرابعة عصراً في شمسطار. تقف الصبية متحيّرة أمام المرآة: ماذا ترتدي اليوم؟ فقد حان موعد «الكزدورة». «يجب أن أكون بكامل أناقتي»، تقول لصديقتها سارة «البيروتية». أكثر من ساعتين تُمضيهما تهاني أمام المرآة، لتستقر على زيّ «كاجويل» يُرضي شباب الضيعة ومجتمعها، ولا يغضب الأهل.
تستنكر سارة كل هذا الاهتمام صارخة «يلا خلصينا... شو رايحين عـ «نايت كلوب»، فتيجبها تهاني فوراً: «هنا الكزدورة أهم بكثير من الـ «نايت كلوب»، هي المتنفس الوحيد لنا بعيداً عن رقابة الأهل»، ملمّحة إلى المساحة الوحيدة التي تمتلكها للقاء حبيبها.
«تلتقيان في الطريق؟ ولماذا لا تذهبان إلى مقهى أو إلى السينما أو إلى مطعم؟»، تسأل ساندي بتلقائية، تواجهها تهاني بنبرة عنيفة: «عَ أيَّ كوكب عايشة إنتي؟ ضيعتنا محرومة حتى من مقهى، وأقرب صالة سينما لها تقع في زحلة التي تبعد نصف ساعة بالسيارة. «المشوار» وحده يكلّف 6 آلاف ليرة، من دون أن نحسب ثمن بطاقة الدخول. ولا تنسي أننا فقراء ولكل ليرة ألف حساب في جيبنا. فإذا ذهبنا كل شهر مرة إلى السينما، منقضّي التسعة وعشرين يوماً الباقيين عم ناكل مجدرة». ففي شمسطار، لا مسابح ولا ملاهٍ للرقص ولا حتى مطعم أو مسرح. هناك، تملّ عيون الشباب من مشاهدة المسلسلات العربية (أو التركية المدبلجة)، ولا يبقى أمامهم لتمضية الوقت سوى القيام بزيارات لا تنتهي «من بيت خالتي لبيت عمي ومنو لبيوت الجيران» كما تقول تهاني، واصفة دورة يومية روتينية من الثرثرة.
طبعاً يلجأ بعضهم إلى المطالعة، لكن الكزدورة تظلّ «فسحة الأمل» الوحيدة للجميع، رغم وعورة الطرقات الترابية في القرية، وقلة المساحات الخضراء التي نهشتها بيوت الأغنياء الإسمنتية.