منذ انتهاء ذيول أزمة فقاعة الإنترنت أواخر عام 2003، وحتى مطلع الأزمة المالية عام 2007، تميز جيل الـ«ويب» بسياسة المواقع التي تقدم خدمات اجتماعية أو معلوماتية مجانية لمستخدميها، مقابل تحقيق مكاسب مالية عبر استقطاب الإعلانات التجارية والتسويقية على صفحاتها

خضر سلامة
تحتكر الصين اليوم ما يقارب ثلث عدد متصفحي مواقع الإنترنت في العالم، الهند ودول أميركا الجنوبية تشهد نمواً واسعاً في اكتشاف شبكة الويب، وتطور أعداد متصفحيها، لتنافس بذلك الدول الصناعية في صدارة الأرقام (من حيث عدد مستخدمي الويب في كل دولة). من جهة أخرى، تشهد مواقع التعارف والخدمات الاجتماعية والتواصلية اكتساحاً عالمثالثياً: الـ«فايسبوك» ينفجر شعبياً في الشرق الأوسط، الـ«يوتيوب» ينجح في استقطاب ضعفي عدد الزائرين اليوميين في الهند والبرازيل، «MySpace» تدخل إلى أفريقيا. هذه الأخبار تبدو، للوهلة الأولى، جيدة وسارة للمعنيين في هذه الشركات والمواقع الخدماتية الضخمة، التي تسيطر على المراكز الأولى في ترتيب الصفحات الأكثر شعبية في معظم دول العالم، حسب مقياس ألكسا. لكن المعنيين بإدارة الأمور في هذه المواقع غير مسرورين فعلاً بهذا التضخم الكبير، والتمدد المستمر لعناوينهم الإلكترونية في الدول النامية.
موقع Veoh لتبادل الفيديوهات، الشبيه بيوتيوب، والمتمركز في مدينة سان دييغو. في العام الماضي، لجأ المسؤولون عنه إلى حظر استخدام خدماته في أفريقيا وشرق أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية، معللين ذلك بالكلفة العالية لتبادل الفيديوهات في هذه المناطق، وغياب المردود المالي للشركة مقابل خدماتها المجانية، ويقصدون بالمردود المالي الإعلانات المفترض أن تتوجه إلى هذه المناطق بالذات، أما «MySpace»، موقع الصفحات الشخصية الذي يضم 130 مليون مشترك، فإن 45 في المئة منهم من خارج الولايات المتحدة، فقد بحث مديروه عن وسيلة لمواجهة مشكلة الاستخدام دون مردود، وقرروا تقديم خدمة البروفايلات الخفيفة (light)، وذلك بتكلفة فنية وتصميمية أقل من العادية، وهذه الخدمة موجهة إلى أصحاب «الباندويدث» الضعيفة، أي القادمين من البلاد النامية.



موقع «يوتيوب» هو أيضاً ليس بعيداً عن الأزمة، إذ توقع المحلل السويسري سبنسر وانغ أن يخسر الموقع 470 مليون دولار عام 2009، «غوغل» الشركة المالكة ليوتيوب استنفرت فريقاً متخصصاً لدراسة توقعات وانغ، دون أن تصرح حتى الآن عن خطواتها للحد من خسائرها في الموقع الذي ينشر بلايين الفيديوهات شهرياً إلى مختلف أنحاء العالم، ويكاد يكون الموقع الأكثر كلفة بين المواقع الشبيهة. كان توم بيكيت، مدير المبيعات والعمليات في الموقع، صرح لصحيفة «نيويورك تايمز» بأن يوتيوب قد تقرر خفض «دِقة» الفيديوهات التي تُنشر عبر الموقع، كما قد تخفض من نقاوة الصورة ونوعية الخدمات والسرعة في البث، هذا التراجع في الخدمات سيطال فقط البلدان التي تعاني سرعة ضعيفة في دفق البيانات، والتي تضاعف من كلفة إيصال الخدمة على الموقع.
فايسبوك بصدد اعتماد الخطوة نفسها، حسب جوناثان هيلنغر، المهندس المراقب للبنية المعلوماتية في الموقع الشهير، قال في تصريح مواز إن فايسبوك تضطر إلى دفع كلفة عالية لتخزين 850 مليون صورة و8 ملايين فيديو تحمل شهرياً إلى خوادم الموقع، من جانب 200 مليون مشترك، 70 بالمئة منهم من خارج الولايات المتحدة.
وفي التفاصيل، أن دخول هذه المواقع تحت وطأة ضغط جماهيري في البلدان النامية، حيث سرعة تدفق البيانات (Bandwidth) محدودة في معظم الأوقات، ما يجعل الشركات المشغلة مضطرة إلى مضاعفة عدد خوادمها (servers)، تعتمد هذه المواقع عادة على الإعلانات كمردود يساهم في تغطية تكاليف البث والتشغيل، كما تساهم الإعلانات في رفع إيرادات الموقع، وهذه هي الحال بالنسبة إلى مواقع التعارف أو مواقع حفظ الملتيميديا وعرضها كاليوتيوب أو دايلي موشن، التي تقوم اقتصاديتها على سياسة الإعلانات.. إلا أن المشكلة تكمن في انعدام شعبية الإعلانات على المواقع في البلدان النامية، وضآلة حجمها، بل إن مستخدمي المواقع في الدول النامية لا يهتمون للإعلانات المنشورة على الإنترنت، ولا يقبلون عليها، هكذا تفقد المواقع الكبرى أي مردود يغطي التكاليف التي تدفعها لتؤمن خدمات لمشتركيها في الدول النامية.
الخبراء في شؤون المعلوماتية، وبعضهم حاول الترويج طويلاً للويب باعتباره «قرية كونية صغيرة» أو مساحة لتوحيد شقي العالم، هؤلاء الخبراء باتوا اليوم أمام معضلة اقتصادية حقيقية. الأرقام تقول إن عدد متصفحي الإنترنت هو 1,6 مليار شخص، أقل من ثلث هذا العدد يملك مكانية مادية واقتصادية تمكنه من الاهتمام بنوافذ الإعلانات التجارية والـ markerting في المواقع التي يزورها! مشكلة تواجه المواقع القائمة على معادلة الربح الإعلاني، التي تحاول أن تتجاوز محنة الانفجار العددي في إنترنت البلدان النامية، فالتطور في أعداد المستخدمين لم يواكبه تطور اقتصادي يسمح بقيام شركات متخصصة في الإعلانات على صفحات الإنترنت، فهل يشهد الويب خطوات تمييزية بحق العالمثالثيين، أم أننا سنشهد، في ذروة الإصلاحات المالية العالمية، سياسة اقتصادية جديدة في عالم الإنترنت؟