أعاد خروج الضباط الأربعة إلى الحرية، أول من أمس، الحديث عن «التوقيف الاحتياطي» إلى صدارة اهتمامات بعض القانونيين. يقضي بعض المشتبه فيهم وقتاً «طويلاً» موقوفين، من دون مراعاة حريتهم. لم يطالب هؤلاء بأكثر من إعادة النظر بمسألة التوقيف الاحتياطي، و«أنسنة» القانون
محمد نزال
كانت عبارة «المتهم بريء حتى تثبت إدانته»، تشكل قاعدة قانونية جوهرية، طوال الفترة السابقة. لكن الآونة الأخيرة حفلت بحوادث عديدة، ما دفع البعض إلى التساؤل، عما إذا كانت هذه القاعدة قد تغيرت، في ضوء المدة الطويلة التي تنقضي خلال بعض فترات التوقيف الاحتياطي. وكانت قضية الضباط الأربعة قد شهرت قضية التوقيف المذكور، بسبب حساسيتها، من دون أن ينفي ذلك وجود مواطنين معرضين للبقاء سنواتٍ طويلة في السجون، بلا أي محاكمة. حسين ع. هو أحد هؤلاء. أوقف في عام 2005 بتهمة جنائية، لكنه وبعد 3 سنوات خلت، ظل خلف قضبان السجن من دون محاكمة، والآن، يسأل: «ماذا لو صدر بحقي حكم بأقلّ من المدة التي قضيتها في السجن، تحت عنوان التوقيف الاحتياطي؟ تساؤل يبدو محقاً، ولا يكتفي حسين به، بل يضيف إليه سؤالاً آخر: «هل يمكن الدولة أن تعوّض المدة الإضافية التي قضيتها، وكيف السبيل إلى ذلك؟». الأمر المؤكد أنه لا يمكن العودة بالأيام إلى الوراء، والتعويضات، إذا وجدت، لا بد أن تأخذ شكلاً آخر.
وفي سياق متصل، يبدو أن المخالفات في تطبيق «التوقيف الاحتياطي» تنسحب على النظارات والمخافر، حيث يمكن توقيف مواطن ما لأيام عديدة، بناءً على بلاغ بحث وتحرّ، من دون إصدار مذكرة توقيف بحقه، كما حصل مع المواطن ب.خ. الذي كان مطلوباً بورقة دعوى قدمها بحقه شريكه في العمل، فجرى توقيفه في عام 2008 لأكثر من 4 أيام، من دون استجوابه من أي سلطة قضائية، كما أكد، ما يشكل مخالفة واضحة للمادة 107 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. ولا تنتهي المسألة هنا، فالشق الإجرائي من «التوقيف الاحتياطي» يعاني بعض التجاوزات، فالمادة 76 من القانون نفسه، تنصّ على أن من واجب قاضي التحقيق إحاطة المدعى عليه علماً بالجريمة المسندة إليه، فيخلص له وقائعها ويطلعه على الأدلة المتوافرة لديه أو على الشبهات القائمة ضده، لكي يتمكن من تفنيدها والدفاع عن نفسه، الأمر الذي لم يحصل في أهم حالات التوقيف الاحتياطي أخيراً، أي حالة الضباط الأربعة، كما أكد الوزير السابق ناجي البستاني.
من ناحية أخرى، يطلق بعض الموقوفين السابقين، سيلاً من الأسئلة، حول «إنسانية» التوقيف الاحتياطي؛ ما يبرز الحاجة إلى إجراء تعديلات قانونية، لأنسنة هذا التشريع في لبنان، كما يرى عضو نقابة المحامين سابقاً، المحامي ماجد فياض. التعديلات المقرة على القانون في عام 2001 «لا تستوفي رغبة الحقوقيين الذين طالبوا بتعديل القانون، ولا تزال تحفل بشوائب تجعله دون مستوى معايير المحاكمة العادلة التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة، وصكوك لجنة مراعاة حق الدفاع، لناحية تفسير مدة التوقيف إلى أقصى الحدود، والاستعاضة عنها بالكفالات المالية بدل احتجاز حريات الإنسان وتقييدها»، أكد فياض، مشيراً إلى وجود تناقض بين نص القانون، وسلوك القضاة تجاه الموقوفين، فالقانون الجديد أوجب ضرورة «تعليل» قرار التوقيف، لكن في كثير من الحالات لا تراعي النيابات العامة وقضاة التحقيق ذلك الأمر. وقد اتهمهم النقابي السابق بالاكتفاء بتدوين عبارة «نظراً لما ورد في الملف، ولماهية الجرم، نطلب التوقيف». بيد أن هذه العبارة غير كافية برأيه، وكلمة «معلل» ليست مجرد كلمة تقال، وأهل القانون يعرفون معناها، ويعرفون وجوب أن تأتي ضمن شروطها وسياقها القانوني. أضف إلى ذلك، حرمان المستجوب للموقوف احتياطياً من حقه بالاطلاع على شهادات الشهود، ما يحرمه من فرصة تفنيدها ودحضها، إذ إن الشهادات تبقى محجوبة عنه بحجة سرية التحقيق عن المدعي والمدعى عليه، وهذا الأمر «يسيء إلى العدالة وينتقص من فريقي الخصومة».
في سياق آخر، لفت المحامي فياض إلى أن «بعض الدعاوى تلقى من القضاة وصفاً جرمياً يفوق حقيقة الأفعال الجرمية نفسها، وذلك فقط للتمكن من إصدار مذكرة توقيف، فنرى بعض الجرائم التي تنص عقوبتها على أقل من سنة حبساً، قد نالت وصفاً مبالغاً به، فقط للتمكن من إصدار قرار بالتوقيف». وإضافة إلى هذه الاعتراضات، القانونية والحقوقية، فإن ثمة ما يُلحظ في تشريعات التوقيف الاحتياطي في الولايات المتحدة الأميركية، والدول الغربية، يستوجب النظر فيه، ابتداءً من مرونة السماح للموقوف في أغلب الحالات، بالعودة إلى منزله، ضمن آليات مقبولة. ويبدو هذا الإجراء «الغربي» وربما بعد حادثة الضباط أخيراً، من مسببات ارتفاع الأصوات الداعية إلى تعديل قانون التوقيف الاحتياطي في لبنان، لجعله أكثر التصاقاً بحقوق الإنسان وحريته.


«الاحتياطي» ظالم أحياناً

يقول رئيس الوزراء الأسبق، سليم الحص (الصورة)، في كتابه «للحقيقة والتاريخ»، «إن التوقيف الاحتياطي غير عادل، وغير ضروري أحياناً، وقد يلحق الظلم بالموقوف». وفي حديث مع «الأخبار»، علّق على الموضوع سائلاً: «لماذا لا ينتظر القضاء في لبنان صدور قرار اتهامي أو ظنّي بالمتهم، قبل توقيفه؟».