غادة نجارقبل نحو أسبوعين تحدث علماء أميركيون عن وجود صلة مباشرة بين التّلوث في الجوّ والربو لدى الأطفال. وأخيراً أصدروا دراسة مفصلة بشأن ما توصلوا إليه، متحدثين عن التلوّث الناجم عن الغازات المنبعثة من محرّكات السّيارات الـ Hydrocarbures Aromatiques Polycycliqes أو الـ HAP. هذه الغازات تمارس تأثيرها الخطير على جهاز الطفل التنّفسي بطريقة خبيثة، حيث إنها تبدأ عملها منذ ما قبل ولادة الطفل. في هذا الصدد يقول الدكتور شوك ماي هوو، مدير مركز Environmental Genetics في جامعة سينساتي، إن البيئة الملوّثة بهذه الغازات تخرّب عملية النمو الطبيعة داخل الرحم طوال فترة الحمل، وتؤدّي إلى تغيرات جينية لدى الجنين تخلق الاستعداد لديه للإصابة بالربو بعد الولادة.
أجرى الباحثون في فريق هوو فحوصات مكثّفة لدماء الحبل السري لأطفال ولدوا في مدينة نيويورك التي تتميّز بكثافة وسائل نقل هائلة، والتي يعاني 25% من أطفالها مرض الربو. وكان الباحثون قد تابعوا نسبة تعرّض الأمهات خلال الحمل للـ HAP.
وقال أعضاء الفريق إن العلاقة بين نسبة التعرّض للتلوّث والتغيرات التي طرأت على الجين ACSL3 المسؤول عن الاستعداد للإصابة بالربو لدى الجنين، كانت واضحة جدّاً. وفي دعم لهذه النتائج ظهرت نتائج أخرى لدراسة أجرتها مجموعة من الأطباء الكنديين والنيوزلنديين. هذه المجموعة تابعت أربعة آلاف طفل منذ الولادة حتى سّن الـ4 أعوام، تقيم عائلاتهم في مناطق قريبة من خطوط المواصلات الرئيسية. لقد لاحظ الدكتور بوير وفريقه، بعدما قارنوا معطياتهم مع ملاحظات الأطباء المعالجين للعائلات المختلفة، أن العلاقة بين الإصابة بالربو أو الأمراض التنفسية الأخرى وتعرّض الأهل والأطفال الدائم للغازات المنبعثة من السيّارات واضحة، وتجعل الأطفال الذين يعيشون في مناطق ملوّثة بالـ HAP أكثر عرضة للإصابة بالربو بنسبة 30% من الأطفال الذين يعيشون ضمن بيئة أكثر نظافة. أما الأمراض التنفسية الأخرى فيزداد خطر الإصابة بها بنسبة 20%.
في بحث نشرت نتائجه مجلّة Environmental Science and Technologie، أكّد الدكتور أولريخ بوشل الكيميائي في جامعة العلوم التكنولوجية في ميونخ الألمانية، أن الغازات المذكورة تساعد على تقوية مسبّبات الحساسية الـ Allergenes عبر إضافة غاز النيترات إليها، لكونها بروتينات في تركيبتها الكيميائية، وإن هذه الصلة بين البروتينات وغاز النيترات الذي ينبعث من محرّكات السيّارات يجعل عناصر الحساسية أكثر قدرة على استهداف الجسم، والتسبب بردّة فعل لديه تتمظهر بمختلف الأمراض التنفسية والجلدية مثل الربو والأكزما والاستعداد الأكبر للإصابة بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة لدى الأطفال. يضيف الدكتور بوشل أن غاز النيترات قادر أيضاً على تحويل بعض البروتينات الموجودة في الجوّ، وهي في الأساس بروتينات غير مؤذية، إلى عناصر محرّكة للحساسيات المختلفة ومن ضمنها الربو.
إن الحلّ الوحيد لهذه الآفة المتنامية، في نظر بوشل، يكمن إما في الانتقال إلى الأرياف البعيدة، أو أن تتعاطى السلطات المعنية بجدّية أكبر مع وسائل التقليل من الغازات المنبعثة من المحرّكات المختلفة لوسائل النقل وغيرها.
أما البروفيسور فريدريك دي بلاي في ستارسبورغ فيلفت إلى أن هذه المخاطر المتزايدة تدفعنا إلى اعتبار منازلنا الملجأ النظيف الضامن لصحّة أطفالنا، لكن هذه الفكرة ليست دقيقة لأن «العدو» يستطيع التسلل إلى الداخل بسهولة، لا سيّما في المدن الكبرى، ومن هنا الحاجة إلى وسائل تنقية الجوّ المنزلية الجدّية، التي لم يعد من الممكن اعتبارها كماليات في عصرنا الحالي. هذه الوسائل التي تجب صيانتها في كل عام من أجل المحافظة على فعاليتها.