على وقع أنغام أغنية فيروز «راجعين يا هوا راجعين» التي كانت تصدح من مكبِّرات الصوت، وتحت خيمة نُصبت فوق تلة من ركام الجزء القديم من المخيم، احتُفل أول من أمس بوضع الحجر الأساس لإعادة إعمار الجزء القديم من مخيم نهر البارد، حيث اكتفى أهل المخيم الممنوعون من المشاركة بمراقبة وصول الوفود الرسمية إلى المكان من خلف سياج نُصب خصيصاً للفصل بينهم وبين مشهد الحدث
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
لمناسبة وضع الحجر الأساس لإعادة إعمار الجزء القديم من مخيم نهر البارد أول من أمس، ارتسم مشهد توزع على 3 لوحات عكست أكثر من مفارقة، وترجمت حجم التباين بين ما هو قائم على أرض المخيم من واقع يراه الجميع استثنائياً، وآمال أهل المخيم الذين ما زالوا يعيشون صدمة ضياع مخيمهم وتحوله أطلالاً، بعدما بقي لسنوات جوهرةَ المخيمات الفلسطينية في لبنان.
المشهد الأول تمثّل في متابعة أكثرية سكان المخيم القاطنين في الجزء الجديد منه، (يقدرون بنحو 14 ألف شخص) حياتهم وكأن ما يجري على بعد أمتار قليلة منهم لا يعنيهم. شبان يتسكعون في الشوارع، وفتيان صغار يؤدون لعبة الفدائي والإسرائيلي في تقليد يتعلمه الفلسطيني منذ نعومة أظفاره، ونساء عائدات من التسوق وهن يحملن أكياساً صغيرة، بينما توزع الرجال مجموعات يتبادلون الحديث، أو يقتلون الوقت بلعب الورق. «ما يحدث في الداخل لا يعنينا»، يقول أحدهم وهو يتابع اللعب من غير أن يرفع رأسه. لكنه لا يلبث أن ينفعل ويسأل بغضب: «هل يُعقل أن يُحتفل بإعمار بيوتنا ونحرم من الحضور؟». لكن زميله في اللعب تدخل ليقول: «نحن غير متفائلين بإعمار المخيم. لقد وضعوا الحجر الأساس لإعمار مخيم تل الزعتر منذ 35 سنة، وبقي الحجر وحيداً، وهذا الحجر لن يكون أفضل حظاً من سابقه».
أما المشهد الثاني فكان الأكثر تعبيراً عمّا يجري. نساء وأطفال وبعض الشباب وكبار السن تجمعوا عند تخوم الجزء القديم، وتحديداً عند حاجز الجيش اللبناني بعدما مُنعوا من الدخول للمشاركة في الاحتفال. ومن خلف الشريط الشائك وأسطح الأبنية القريبة التي تسلقها البعض، كانت تجري محاولات يائسة لاستراق مشهد وضع الحجر الأساس، في موازاة صفير وصراخ كانوا يطلقونه في وجه الوفود الرسمية والسفراء وممثلي الأونروا، الذين كانوا يعبرون من أمامهم بسيارات رانج روفر ذات زجاج داكن.
«نحن يللي لازم نفوت لجوا ما إنتو»، تصرخ إحدى السيدات عندما تمر إحدى السيارات أمام الحشد، قبل أن تساندها أخرى بجانبها بقولها لأحد المصورين بنبرة مرتفعة: «بدل ما تصورونا، خليهن يفوتونا على بيوتنا».
ازدحام المكان أدى إلى حصول تدافع حاول عناصر الجيش ضبطه، لكن الأمر خرج عن السيطرة عندما حصل شجار بين المحتشدين أدى إلى سقوط جريح، قبل أن يتطور إلى مشادة بين أحد المعتصمين وعنصر من الجيش، أعقبتها محاولة شخص عبور الحاجز بالقوة، وعندما مُنع من ذلك، حاول دفع أحد الجنود، فما كان من العناصر الموجودين قربه إلا أن بدأوا بإطلاق النار في الهواء، ما أحدث بلبلة سرعان ما تمّت السيطرة عليها بعد إيقاف الشخص المعتدي، وهو من آل المغربي.
في موازاة ذلك، بدا مشهد ثالث في موقع وضع الحجر الأساس، وكأنه كان يدور منفصماً عمّا حوله: استعدادات منظمي الاحتفال، واستقبال الشخصيات في خيمة صغيرة نصبت بجوار مكان وضع الحجر الأساس، ثم اصطحابهم إلى موقع الاحتفال الرسمي في الخيمة القريبة المنصوبة فوق التلة.
السفيرة الأميركية في لبنان ميشال سيسون نالت النصيب الأوفر من اهتمام المنظمين والإعلاميين معاً، فضلاً عن وزير الإعلام طارق متري الذي مثّل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، إضافة إلى المفوضة العامة للأونروا كارن أبي زيد.
بعد «عجقة» وضع الحجر الأساس، حرصت قلة من الفلسطينيين كانت في المكان على أخذ الصور التذكارية إلى جانبه، وذلك على وقع صوت مسؤول الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في الشمال أركان بدر وهو يقول: «هذا حجر واحد، لكننا نريد آلاف الأحجار بعده للبدء بإعمار المخيم».
أربع كلمات أُلقيت في المناسبة، ركّز معظمها على المرحلة الماضية، وبقيت المرحلة المقبلة غامضة. فسفير فلسطين في لبنان عباس زكي ناشد الدول المانحة «الوفاء بالتزاماتها المالية الكفيلة بإطلاق ورشة الإعمار»، ورئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني السفير خليل مكاوي أكد أن «استكمال موارد إعمار المخيم تبقى هماً يومياً عندنا، ونتوقع من أشقائنا وأصدقائنا سخاءً في ذلك». ورأت أبي زيد أن «التمويل المتوافر حتى الآن (42 مليون دولار أميركي من أصل 445 مليوناً) «لا يكفي لإعادة إعمار المخيم بكامله»، بينما رأى متري أنه «يترتب علينا مواصلة السعي مع الدول الشقيقة والصديقة لإقدارنا على تحقيق المشروع بكل بمقوماته».
لكن هذا الكلام لم يشف غليل البعض، فمسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة في الشمال أبو عدنان عودة أوضح لـ«الأخبار» أن «هواجسنا الكثيرة لم يبددها وضع الحجر الأساس، لأنه لم يُعلن اسم الشركة المتعهدة لإعادة الإعمار، ولم يُعطَ موعد زمني للبدء بذلك، والأموال الموجودة لا تزيد على 10 في المئة من المبالغ المطلوبة للإعمار».
أما عضو لجنة الدراسات الأهلية لإعادة إعمار المخيم، أحمد محمود عبده، فأشار إلى «إشكاليات تتعلق بإعمار الجزء القديم نتيجة أخطاء في استملاك الأراضي بفعل تداخل بيوت من الجزء الجديد مع أخرى من القديم، ما استدعى إعادة مرسوم الاستملاك لدرسه مجدداً، إضافة إلى عدم وجود آلية واضحة لإعمار المخيم الجديد، أو وضع آلية قانونية للتعويض على المتضررين».
وفي الإطار ذاته، ناقش رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة ورئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني السفير خليل مكاوي ورئيس مجلس الإنماء والإعمار المهندس نبيل الجسر والمدير العام لوزارة الأشغال المهندس فادي النمار والمدير العام لشركة خطيب وعلمي الاستشاري سمير الخطيب، المواضيع التفصيلية الفنية والقانونية لمباشرة العمل في إعادة إعمار المخيم القديم.