فادية حطيطفي حفلة التخرج سمعت الابنة المتفوقة اسمها معطوفاً على اسم أبيها. صعدت إلى المنصة واستلمت جائزتها وهي تكاد تطير من الفرح، وبين الجمهور جلس والداها ينظران إليها بفخر. هو يراها طفلته الجميلة والذكية والمنطلقة، وهي تراها طفلتها الجميلة والذكية والعنيدة. كلاهما فخور وسعيد بها. في البيت قالت الابنة المتفوقة لأمها «كم تمنيت لو ذكروا اسمي بين المتفوقين مع اسم أبي ومع اسمك أنت أيضاً، لماذا لا يذكرون اسميكما معاً؟». وانتبهت الأم إلى أن ابنتها سبقتها في مستوى وعيها لذاتها. فالأم لم يخطر في بالها سوى المحافظة على اسمها الذي اكتسبته منذ مولدها ولم تقبل أن تغيره بعد الزواج. ولكنها لم تنتبه أبداً إلى أن أمها غائبة في تعريفها عن نفسها، وها هي ابنتها بكل رهافة تعلن حق الأم في أن تذكر.
تذكرت هذه الحادثة حين كانت تتحادث مع باحثة سودانية تعرفت إليها في إطار المشاركة في ندوة، فأخبرتها أن وزارة التربية في السودان تجري في كل عام حين صدور نتائج الامتحانات الرسمية احتفالاً عاماً لتسليم المتفوقين في الامتحانات الرسمية شهاداتهم، ويُعلن عن أسماء المتفوقين مع أسماء أمهاتهم، وذلك اعترافاً بدور الأم في التحصيل المدرسي للأبناء، مثلما تشرح الصديقة، ويوافقها التربويون فيه، استجابة لما تؤكده الأبحاث عموماً أن دور الأم كبير في النجاح المدرسي للأبناء، وهو يفوق دور الآباء. وذلك يعود إلى بقاء الأم أكثر مع الأبناء ومتابعة شؤونهم المدرسية، إضافة أيضاً إلى ما تأخذه البنت من أمها من رغبة بالنجاح ومثال له.
الأمر بسيط وعميق في آن. وهو يستحق التفكير. فالموضوع لا يتعلق لا بالأم، ولا بالأب. إنه يتعلق أولاً وأساساً بالأطفال. ومصلحة الأطفال هي في أن يكون لديهم آباء وأمهات، الاثنان معاً، في توازن صعب ودقيق ليس من السهل وصفه أو إعطاء مقادير مناسبة له. من مصلحة الأطفال أن يشعروا بالاحترام والحب تجاه والديهم الاثنين.
جرت العادة أو الأعراف في مجتمعنا أن يخصص الأب بالاحترام وأن تخصص الأم بالحب. للأب الهيبة والتقدير فهو رأس العائلة وإليه ينتمي الجميع. والأم الحاضنة والمحبة تسهر على تلك الصلة ما بين الأولاد وأبيهم ومجتمعهم. وليس عليها أن تطالب بأي شيء لنفسها، ويكفيها نجاح الأبناء وفرحهم.
ومع ذلك فإنهم في السودان يذكرون اسم الأم اعترافاً بالدور الذي لعبته. وتلك الابنة الناجحة تطالب بذكر اسم أمها امتناناً لها. لم يأت الطلب من الأمهات، ولم يكن من داعٍ لا لتظاهرات النساء ولا لمطلب جديد نضالي للحركة النسائية. إنها خطوة أقرب إلى اللياقة والواجب. حين يتعلم الأولاد الصغار أن يقولوا شكراً متى شعروا بالامتنان، فإنهم عندما يكبرون سيجبرون مجتمعهم على التعبير عن الشكر. وكل ما في الأمر أن يذكر اسم الأم في الهواء وعلى الملأ في لحظات نجاح الأبناء، لأنها بالتأكيد كان لها دور فيه.