عادت منى صبرا إلى نقطة الصفر. لم تعد أولويتها هي البحث في منح جنسيتها اللبنانية لأبنائها وزوجها المصري محيي الدين عامر صقر. كل ما تريده اليوم هو عدم ترحيل الأخير المسجون في نظارة الأمن العام، في الطبقة الثانية تحت الأرض. تزوجت منى عام 1982 محيي الدين، وكانا يتنقّلان بحرية بين لبنان ومصر، ولم تكن العائلة التي أضيف إليها 4 أبناء تواجه أي مشاكل، إلى أن حل عام 2007. كان محيي الدين حينها في مصر، وأراد القدوم إلى لبنان، لكن السفارة اللبنانية في القاهرة، وبحسب ما تقول زوجته، لم تمنحه تأشيرة دخول.اشتاق محيي الدين إلى زوجته وأبنائه، فقرر الدخول خلسة من سوريا إلى لبنان. مر الأمر على ما يرام، فمحيي الدين نادراً ما يتنقّل بسبب مرضه: حوضه مكسور، وهو مصاب بداء السكري، فضلاً عن حاجته الدائمة إلى دواء مسيل للدم. وعندما أعلنت المديرية العامة للأمن العام نهاية العام الفائت تخصيص فترة زمنية يسمح خلالها لمن يقيمون في لبنان بطريقة «غير مشروعة» بالتقدم منها لتسوية أوضاعهم، كان محيي الدين بين هؤلاء، وتقدّم يوم 11/6/2008 بطلب للحصول على إقامة شرعية في لبنان، على أساس أن زوجته لبنانية. بقيت الأمور على حالها بانتظار إجابة طلبه، وظنّت العائلة أن وضع الزوج سيسوّى ليبقى إلى جانبها. إلا أنها فوجئت يوم 26/12/2008 بتوقيفه في نظارة الأمن العام، لأن أحد مواطنيه ادعى عليه بجرم تزوير مستندات. ومباشرة، ادعت عليه النيابة العامة أيضاً بجرم دخول البلاد خلسة، ونقل إلى نظارة قصر العدل في بعبدا، ومنها إلى السجن المركزي في رومية. وبعد إحالته على دائرة القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا، حوكم محيي الدين، وصدر يوم 20/1/2009 حكم بتبرئته من جرم التزوير، مع الاكتفاء بمدة توقيفه بما يخص دخول البلاد خلسة. ونص الحكم على نقله إلى عهدة المديرية العامة للأمن العام سنداً للمادة 32 من قانون الأجانب، لأنه لا يملك إقامة مشروعة في البلاد. وفي الحكم ذاته، أشار القاضي إلى ضرورة منحه الأسباب التخفيفية في القرار الذي ستصدره المديرية بحقه، نظراً لزواجه لبنانية، وبسبب وضعه الصحي.
وقبل نهاية الشهر ذاته، نقل من سجن رومية إلى نظارة الأمن العام الواقعة تحت الأرض، حيث لا يزال موجوداً حتى اليوم. لكن المديرية العامة للأمن العام أصدرت قراراً بترحيله. أما الأسباب التخفيفية، فترى المديرية أنها منحته إياها عبر عدم إصدار قرار بمنعه من دخول لبنان مجدداً، كما هي الحال مع كل من يثبت دخولهم خلسة إلى البلاد. وتصر المديرية على ضرورة تسوية وضعه القانوني عبر العثور على كفيل لمنحه إقامة في لبنان. أما الزوجة، فتقول إن زوجها عاجز عن العمل، ولا يوجد من يقبل كفالته، وهو لا يريد سوى الإقامة قريباًُ منها لتهتم به، علماً بأنها تزاول عملاً يمكّنها من إعالته وإعالة نفسها وأحد أبنائهما. لكن المديرية العامة للأمن العام ترى أن قرارها لا يرد، وأنه على الموقوف الخروج من لبنان قبل الدخول إليه مجدداً، لكونها تمارس سياسة متشددة بحق من يخالفون قانون الأجانب.
وبعدما أثارت جمعية رواد فرونتييرز قضية محيي الدين صقر أمام المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، وخاصة تلك المهتمة بالحملة الرامية إلى إعطاء المرأة حق منح الجنسية لأبنائها وزوجها، زارت زوجة الموقوف السفارة المصرية التي تدخلت وزار موظفون فيها الموقوف في نظارة الأمن العام. وبحسب ما تشير الجمعية، فإن السفارة طلبت من الأمن العام إخلاء سبيل محيي الدين.
وفي هذا الإطار، تستمر الحكومة اللبنانية في تجاهل وجود سجن تابع للأمن العام تحت الأرض، يبقى فيه بعض الموقوفين أكثر من عام كامل بانتظار ترحيلهم. ومنذ إنشائه عام 2002، لم يكن أمام الحكومات المتعاقبة سوى انتظار الدول «المحسنة» وطرح الأمر عليها تسوّلاً لمبلغ من المال يكفي لانتشال مئات البشر من الطبقة الثانية تحت الأرض.