انقلب حال التجّار في منطقة تقاطع مار مخايل رأساً على عقب منذ بدء حفريات لاستحداث نفق هناك، فغابت حركة الزبائن تماماً عن محالهم، ما أثّر سلباً على مردود أعمالهم بل حتى على سير حياتهم اليومية. اللافت أن أيّاً منهم لا ينوي إقفال محلّه، رغم صعوبة الموقف. يطالب التجار بتعويض خسائرهم، لكنهم يائسون من استجابة الجهات المعنيّة، ويعدون بتحرك قانونيّ إذا لم تفتح الطريق سريعاً
محمد محسن
«خفف سيرك». تطالع هذه العبارة جميع السيارات المتجهّة نحو تقاطع مار مخايل، في ضاحية بيروت الجنوبية. يخفف السائقون سرعة سيارتهم، ويدخلون عبر مفترق جانبي، يتيح لهم الالتفاف على الحفريات، التي تمنع السير عند منتصف التقاطع. لكن تخفيف السرعة والعبور في مفترق مليء بالحفر، يبقى أسهل ممّا يعانيه أصحاب المحال المواجهة للتقاطع. هم وجهاً لوجه مع هذه الحفريات من الصباح حتى المساء. حفريات وإن كان هدفها الإعمار، إلا أنّها وضعت المتاجر على محك الإقفال أو انتظار الفرج.
منذ شهر تشرين الثاني من العام الماضي، تبدّل شكل الحياة هناك، فأصبحت معدومة وغير متاحة إلا للعمّال، ومسؤولي الشركة التي تحفر النفق. غابت ضجّة السيارات، لتحلّ مكانها ضجّة معدات الحفر العملاقة. تعاني المنطقة منذ ذلك التاريخ شللاً كلّياً، لا تنفعه «لقاحات» تطييب الخواطر ووعود البلدية بتسريع فتح الطريق، وخصوصاً في ظل الخسائر الهائلة التي تكبدّها أصحاب المحال، بسبب عدم إنذارهم عن عمليات الحفر وقطع الطريق. هكذا، وبسبب سوء تقدير من المسؤولين عن حفر النفق، تكبّد أصحاب المحال خسائر فادحة، كسرت ميزان مداخيلهم، وهذا ما يسهل فهمه من تذمرّهم حين تسألهم عن تأثير الحفريات على سير العمل.
استغنى حسين الموسوي عن جزء كبير من واجهات محل الألعاب الذي يملكه، والسبب هو أنّ أحداً لن يرى شيئاً نظراً لمحاصرة الحفر للمحال. «ما في بيع والخسارة شي 90%» يعرض الموسوي نتيجة ثلاثة أشهر من حصار الحفر. حوّل الموسوي محلّه الكبير إلى «مستودع جملة»، لأنّ زبوناً واحداً لا يدخل في اليوم كما يقول، فأصبح يتّكل على أسعار الجملة. يؤكد أن مستودعه مليء ببضائع الأعياد التي «لم نبع منها شيئاً، ولو أنذرونا لما كناّ اشترينا هذه البضائع وتكبّدنا الخسائر الناتجة من كسادها». في الداخل فتاة تتحدّث أيضاً «صرفنا ثلاثة، ولو ما أنا أخت زوجة صاحب المحل كنت فلّيت من زمان». تعدّد سعاد حيدر نتائج انقطاع البيع في المحل نتيجة الحفريات، فتبدأ من «تشريج» هاتفها الذي تبدّل من «كارت الـ65000 إلى تعبئة الأيام، كي لا يحترق الخط، لأنّه رقم المحل لا أكثر». تصل حيدر في تعداد النتائج السلبية لتتحدّث عن يأس يصيب التاجر، وما يلبث أن يتحوّل إلى وسواس «يدفعنا لأن نفتح يوم الأحد».
ليس بعيداً عن محل الألعاب، معرض سجاد عجمي. تجاوزت الأضرار التي لحقت بهذا المعرض حدود كساد البضائع. فصاحب المعرض استدان سجاداً عجمياً، قيمته 200 ألف دولار في تشرين الأول الماضي «تمهيداً لموسم الشتاء». لم تنذر الشركة أصحاب المحال ببدء أعمال الحفر، تفاجأ صاحب المعرض، مشكلته الآن ليست كساد البضائع ولا شح الزبائن، بقدر ما هي مشكلة سداد الشيكات المؤجّلة، التي تنتج من التخلّف في دفعها عند الوقت المحدّد عواقب قانونية، ليس أقلّها السجن. يتحسّر البائع «لا أعرف كيف أسدّدها، فتّشت عن محل آخر، لكن أقل إيجار لمحل كهذا بلغ 2500 دولار مع سنة سلف» مؤكداً أنّ هذا الامر «صعب جداً». أمّا عن صرف العمال، فيؤكد صاحب المحمصة المجاورة أنّه صرف عاملين اثنين من عملهما، وذلك بعد انخفاض معدّل العمل لديه بنسبة 80% تقريباً. يفتح دفتر المحل، يشير بسبابته المرتجفة إلى حسابات ما قبل تشرين الثاني 2008 «شايف الفرق، بدنا تعويض نحنا، ما عم يمرق لعندي إلا بس زبونات المحل القدامى». يشير صاحب المحمصة إلى أنّ اللافتات التي وضعها في أول الطريق المقطوعة لم تجذب أحداً، وهذا ما عمّق يأسه. تتذمر ندى حمود عند السؤال عن الحفريات. الفتاة العاملة في محل للأدوات الكشفية، لا تتلقى راتبها الزهيد كاملاً، بل بالتقسيط «من وقت ما بلّشو حفر». تشير إلى أنّ البضائع لم ولن تجدّد في الموسم المقبل، فالخسارة التي تكبدّها المحل لا تسمح بمثل ذلك.
زد على خسائر المحال، نقمةً يبديها معظم المستأجرين في المراكز المحيطة بالتقاطع، جرّاء الغبار الكثيف والأوساخ المتصاعدة من مكان الحفر. إلا أنّ دورة عمل هذه المراكز ما زالت طبيعية، نظراً لضرورتها، لأنّها تضم مراكز تجميل وعيادات طبيّة. كذلك الأمر بالنسبة إلى سائقي الفانات العاملين على خط بيروت بعلبك، الذين اضطروا لتغيير موقف الفانات الخاص بهم، ونقلوه إلى أقرب نقطة بعد الحفريات. يبدون نقمتهم، ويكفي أن تحدّث واحداً منهم حتى يخبرك عن انخفاض عدد الركاب، أو «بالميتة» كما يقول انتظار وقت أطول من السابق حتى يمتلئ الفان، وهو ما دفع ركاباً كثيرين كانوا ينطلقون من هذه النقطة، إلى تغييرها والاعتماد على نقطتي المشرفية أو السفارة الكويتيّة.
أمّا العاملون في مشروع النفق، فكان جواب معظمهم عن موعد انتهاء العمل «المعلم هونيك فيك تسألوا». لم نخيب ظنّهم وسألنا «المعلّم»، الذي اكتفى بإجابات مقتضبة «نحنا تنفيذ ما منعرف شي عن الخطة، عندي بعد شهر لشق الحيطان وبترجع الشركة بتستلم».
يؤكد أصحاب المتاجر أنّهم ينسقّون في ما بينهم لرفع دعوى ضد متعهدي النفق، إن لم تفتح الطريق بعد نهاية آذار الجاري. أقل مطالبهم تعويض عن كل شهر خسروا فيه أرزاقهم، لكن البعض منهم تنازل «عن حقّه» مقابل فتح الطريق «بيضل أهون من مشاكل طويلة عريصة، مين بدّو يرفع دعوى على الدولة؟» يسأل أحدهم. لكنّ عاملةً في إحدى المحال تبدي امتعاضها من الحالة القائمة «اللي بدو يصير يصير، الله لا يوفقن، قطع الأرزاق من قطع الأعناق، لماذا لم ينذرونا؟».