وليد المحبخلال متابعته للشأن العام، ومتى تجرّد المواطن من أهوائه، باستثناء هواه تجاه الوطن، يلاحظ أموراً يغفل عنها من انغمس في تأييد هذا الطرف أو ذاك؛ ذلك أنّ الأخير يفتقر إلى نظرة شاملة وموضوعية لمسار الأحداث، كما يفتقر إلى الروح الرياضية في مراقبة مواقف الساسة التي تأتي في غالب الأحيان بـ«قفشات» هدفها إحراج الخصم كما في أية مباراة.
فريق أسماه الثلث المعطل، وفريق أسماه الثلث الضامن، والنتيجة واحدة في هذه الخاصية التي يعتبرها الفريق الأول بدعة سياسية، فيما يعتبرها الثاني أحد مقتضيات الديموقراطية التوافقية التي يُصرّ عليها معظم الفريق الأول، تلك النسخة من الديموقراطية التي ما كان العالم ليسمع بها لولا وجود كيان على كوكب الأرض اسمه لبنان.
في الشارع اللبناني، أقدم بتاريخ 7 أيار 2008، فتى يرتدي قميصاً يحمل الرقم 8 على ضرب فتى آخر يرتدي قميصاً يحمل الرقم 14 على خلفية الثلث المشار إليه وتداعياته. ولما سمع الجيران «الهيصة» أرسل أحدهم بطلب الفتيين فالتقيا في دوحته، وقيل لهما خلال المغادرة «إذا ما اتفقتوا ما ترجعوا»، ويبدو أنهما تظاهرا بالاتفاق حينها فقط ليتمكنا من العودة، فعادا بنفسية «أنا بورجيك بالماتش الجاي».
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية تتخذ المنازلة شكلاً آخر، لأن اللبنانيين سئموا العنف ولن يصفقوا لأي من الفتيين في حال فوزه. فقرّر الأخيران الصعود ليلعبا «الشطرنج» على الشرفة بما يوحي بأنهما مهذبان ولطيفان و»أولاد عِيَل» لا «أولاد شارع». وفي وقت لا تزال فيه آثار أصابع فتى القميص 8 بارزة بالأحمر على خدّ فتى القميص 14، أتقن الأخير تحريك بيادقه على نحو أربك خصمه وقال له «كِش ملك» أو «كِش ثلث»، فكيف حصل ذلك؟
في إطار بثّ روح التحدّي ورفع معنويات الجماهير، يأخذ التهويل أهمية كبرى. فهذا الفريق يدّعي أنه سيفوز بالانتخابات المقبلة بشكل كاسح، والآخر يدّعي الأمر ذاته. وإذا كان في الأمس أحد الخصمين يتمسك بالثلث المُختلَف على تسميته، فإن دفاعه عنه في لحظة ما قبل الانتخابات سيوحي للجماهير بأن الفوز لن يكون كاسحاً، أو على الأقل بأنّ صفة الكسح مشكوك بصحتها، ذلك أنه ليس منطقياً الحديث عن ثلث ما فيما الوعود الانتخابية ترفع السقف إلى أن نتيجة الانتخابات ستأتي على الأقلّ بخمسة أسداس لمصلحته. لهذا السبب يكثر حديث أحد الفريقين عن أن اتفاق الدوحة ليس إلا اتفاقاً ظرفياً ستزول موجباته مباشرة وتلقائياً عقب الانتخابات المرتقبة، ولهذا السبب أيضاً يلتزم الفريق الآخر الصمت مدركاً أن لكل مقام مقالاً.
ختاماً، كلمة للفريقين، لن يفيدنا بشيء أن يكسب أيكما الانتخابات إذا خسرنا الوطن، فارحماه.