غادة دندشوظيفة الغابات والأحراج والحدائق العامة في المدن تعدّت إطار المحافظة على البيئة وتنقية الهواء وجمالية المكان. لقد أظهرت دراسة قام بها فريق من الباحثين في جامعة غلاسغو في بريطانيا أن توافر المساحات الخضراء على أنواعها، أمر يسهم في تحسين وضع صحّة الفقراء وتأمين العدالة الصحّية بين فئات المجتمع التي يختلف دخلها المالي اختلافاً كبيراً. لقد قام هذا الفريق وعلى رأسه الدكتور ميتشل من جامعة غلاسغو بدراسة على 41 مليون بريطاني يبلغ عدد الوفيات بينهم 366348 شخصاً.
هدف الدراسة كان المقارنة بين توزيع الوفيات بين محدودي الدخل والميسورين في المناطق التي تتوافر فيها المساحات الخضراء والمناطق التي تغيب أو تندر فيها الأحراج والغابات والحدائق. وقد أظهرت الأرقام أن الفارق بين الفقراء والأغنياء من حيث نسبة الوفيات أقلّ بمرّتين في المناطق الغنيّة بالأشجار والنباتات. ويشرح الباحثون هذه الظاهرة بتوافر عوامل متعدّدة في المناطق الخضراء تسهم في تحسين قدرة الجسم على مقاومة أنواع مختلفة من الأمراض، ذلك رغم الظروف المعيشية والاقتصادية الأكثر صعوبة وبالتالي الظروف الاجتماعية والصحّية من حيث شروط الحياة اليومية للفرد المحدود الدخل. من هذه العوامل، إلى جانب تأمين البيئة المؤاتية للتمارين الصحيّة، هناك عامل تحسين الحالة النفسية حيث إن توافر المساحات الخضراء في منطقة ما يسهم في الترفيه عن الأفراد، ويحسّن أداء أجهزتهم العصبية من الناحية البيولوجية والوظيفية، وكذلك أثبتت الدراسة أن العيش في المناطق الغنيّة بالثروة النباتية يخفض نسبة الإصابة بارتفاع الضغط، وهو من أكثر الأمراض خطورة في تداعياته على الصحّة العامة للمصاب به مهما بلغ سنّه.
ومن المفيد التذكير بأن ارتفاع الضغط من الأمراض الأكثر شيوعاً في عصرنا الحالي، وقد تدنّت السنّ الوسطية للإصابة به في السنوات الأخيرة حيث لم يعد يصيب الكهول فقط، بل يصيب أيضاً الشباب في مراحل مبكرة نسبيّاً. كما أظهرت الإحصاءات التي قام بها فريق ميتشل أن المساحات الخضراء تسهم في خفض نسبة التشنّج العصبي الـ stress، وهو داء العصر الصناعي الذي يعانيه تقريباً جميع سكّان الأرض، ولا سيّما في المدن، ويعدّ من «الأمراض» التي تؤدّي إلى جانب الحالات العصابية المتفاوتة التي يعانيها المصاب به إلى عدد من التعقيدات/ مثل ضعف جهاز المناعة وما ينتج منه من سهولة الإصابة بالأمراض المعدية على أنواعها الفيروسية والفطرية، والإسهام في سوء أداء الجهاز الهرموني، ولا سّيما لدى السيّدات وما ينتج من ذلك من خلل في مختلف الوظائف الصحيّة، وانخفاض النشاط الفكري والجسدي لدى «المريض»، هذا فضلاً عن التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية التي قد يعانيها المصاب نتيجة انخفاض نشاطه في العمل والحياة الشخصية. هذا طبعاً إضافة إلى الدراسات الكثيرة التي تؤكّد أن الـ stress من العوامل المُسهمة إسهاماً أساسياً في حالات العقم المجهول السبب البيولوجي لدى الكثير من النساء.
من جهة أخرى، لم تُظهر الدراسة أي فارق في نسبة الوفيات، التي تُسبّبها بعض الأمراض مثل سرطان الرئة، بين الفئات المختلفة. وقد علّق الدكتور تيري هارتيغ من جامعة أوبسالا في السويد على هذه الدراسة بالقول إن على السلطات المعنية السياسية والصحيّة أن تنظر بجدّية إلى هذه النتائج التي أثبتت إثباتاً قاطعاً أن المساحات الخضراء تسهم إسهاماً أساسياً في محاربة الفروق الصحيّة غير المقبولة بين الفئات المحدودة الدخل والفئات الميسورة، وأن على هذه السلطات بالتالي اتخاذ مجموعة من الإجراءات المناسبة لمعالجة نقص المساحات الخضراء المتزايد في مختلف أنحاء العالم.