رأى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن تسليم الضباط الأربعة إلى المحكمة الدولية يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء، متجاهلاً قرار مجلس الأمن رقم 1757 الذي لا ينص على وجود وسيط بين المحكمة والقضاء اللبناني
حسن عليق
فاجأ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الأوساط القانيونية بإعلانه، مساء أول من أمس على شاشة تلفزيون «أخبار المستقبل» أنّ نقل الضباط الأربعة الموقوفين في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى لاهاي بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء (عدد «النهار» الصادر أمس).
وبهذا الكلام، وضع السنيورة نفسه في موقع الإفتاء رغماً عن النص. فالنظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، المضموم إلى الاتفاق الموقّع بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، والمرفق بدوره بقرار مجلس الأمن رقم 1757، يتحدَّث عن نقل الملفات والأدلة والموقوفين من عهدة القضاء اللبناني إلى عهدة المحكمة الدولية في المادة الرابعة منه، وبالتحديد في الفقرة الثانية. وتنص الفقرة المذكورة على أنه خلال مدة لا تتجاوز شهرين بعد بدء عملها الذي يحدده الأمين العام للأمم المتحدة، (1 آذار 2009)، «تطلب المحكمة الخاصة من السلطة القضائية الوطنية المعروضة عليها قضية الهجوم على رئيس الوزراء رفيق الحريري وآخرين، أن تتنازل عن اختصاصها، وتحيل السلطة القضائية اللبنانية إلى المحكمة الخاصة نتائج التحقيق ونسخة من سجلات المحكمة إن وُجدت، ويُنقل الأشخاص المحتجزون رهن التحقيق إلى عُهدة المحكمة».
النص واضح إذاً، والعلاقة ستقوم بين المحكمة الدولية والقضاء اللبناني، ولا وجود لوساطة الحكومة.
رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، الذي كان (والقاضي رالف رياشي) قد شارك في وضع مسوّدة النظام الأساسي للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، كان أكّد لـ«الأخبار» يوم الأحد الفائت (منشور في عدد «الأخبار» الصادر في اليوم التالي) أن المحكمة، بناءً على قرار مجلس الأمن، «ستقدّم طلباً لقاضي التحقيق العدلي في القضية لإعلان عدم اختصاصه، وكذلك للمدّعي العام العدلي الذي لديه سلطة الادّعاء وتوجد في دائرته نسخة عن ملف التحقيق». ولفت صادر إلى أن الطرف اللبناني «ملزم بالإجابة الفورية على طلب المحكمة الدولية».
ومساء يوم الاثنين الماضي، قال المدّعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار لـ«الأخبار» إنه سيطلب من القضاء اللبناني التنازل عن صلاحية النظر في جريمة اغتيال الحريري، مع الأشخاص الموقوفين على ذمة التحقيق إذا كانوا لا يزالون قيد التوقيف، في أقرب فرصة ممكنة بعد الأول من آذار المقبل. وبالتأكيد، فإن بلمار لم يشر إلى أنه سينتظر قراراً من مجلس الوزراء.
ويوم أمس، قال مصدر قانوني رفيع لـ«الأخبار» إن الاتفاقية التي أقرّت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1757 «تسمو على أي قرار يصدر عن أي سلطة لبنانية». فهل يريد السنيورة أن يقف في وجه «الشرعية الدولية» التي قال في المقابلة ذاتها إنّ لبنان جزء منها؟ وهل سيُحدث رئيس حكومتنا سابقة تعرّض عمل المحكمة (التي ستحاكم قتلة من أتى به إلى العمل العام) لخطر أهواء سياسية في مجلس عاجز عن إقرار موازنة عامة للبلاد، بل عاجز عن تعيين موظف؟
لكن يبدو أن السنيورة أغفل ما وقّّعت عليه حكومته يوم 6 شباط 2007، وهو الاتفاق مع الأمم المتحدة القاضي بإنشاء محكمة دولية خاصة بلبنان، والسابق لقرار مجلس الأمن الدولي الصادر يوم 30 أيار 2007 (1757).
وكلام السنيورة المناقض لقرار مجلس الأمن الدولي يوحي باحتمالات ثلاثة: إما أنه لم يقرأ ما وقّع عليه قبل سنتين وقرار مجلس الأمن، وإما أنه نسي، أو أنه تناسى. لكن الاحتمالات الثلاثة لا تليق برئيس حكومة حالي ووزير مال سابق ومدير شركة أسبق.
لماذا قال السنيورة ما قاله؟
يتقاطع كلام السنيورة مع رغبة بعض فريقه السياسي، الرامية إلى الإبقاء على الضباط الأربعة موقوفين في لبنان حتى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة. ففريق الادّعاء السياسي يعلم جيداً أن مضمون ملفات عدد من الموقوفين يتيح إطلاق سراحهم فوراً، وهو ما دفع هذا الفريق إلى طلب تنحية القاضي إلياس عيد عن التحقيق في القضية عام 2007. وفي لاهاي، سيتقدم وكلاء الموقوفين بطلبات لإخلاء السبيل، حيث سيكون للمدّعي العام الدولي وقاضي ما قبل المحاكمة صلاحية النظر في هذه الطلبات. وفي حال موافقة القاضيين المذكورين على أيّ من الطلبات، ستسحب من يد فريق السنيورة السياسي ورقة انتخابية بالغة الأهمية. وأبعد من ذلك، سيكون الفريق المذكور في موقع مساءلة على ما سيثبت حينها أنه كان اعتقالاً سياسياً تعسّفياً بعيداً عن أي معيار تحقيقي وقانوني وحقوقي وأخلاقي.


خيانة الذاكرة

يبتسم أحد أرفع القضاة اللبنانيين لدى سماعه ما قاله رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عن شرط موافقة مجلس الوزراء على نقل الضباط الأربعة إلى المحكمة الدولية في حال طلبها ذلك. يقول: للوهلة الأولى التبس الأمر عليّ. فما أعرفه مختلف عمّا يقوله رئيس الحكومة. ظننت أن ذاكرتي تخونني، فلجأت إلى قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1757، ووجدت النص واضحاً. فالقرار الدولي يلزم القضاء اللبناني بإجابة طلبات المحكمة الدولية فوراً، ومن دون حاجة لموافقة أي جهة حكومية أو تشريعية.