محمد زبيبلم يكفّ الكثير من اللبنانيين عن الاحتفال ببقاء نظامهم المصرفي «معزولاً» عن الأزمة العاصفة. ما انفكّ هؤلاء يتبادلون التهاني كلما تلامست أيديهم وشفاههم في خلوة أو ندوة. لا تعنيهم التقارير والدراسات التي تفيد بأنّ الأسوأ لم يظهر بعد... يتبجّحون بالمعجزات كالأنبياء، ويتباهون بنموذج صنعوه ليصمد في مواجهة آخر لبناني يعتقد باحتمال إقامة وطن ودولة.
أصاب التلعثم البقية. توارى معظمهم عن المنابر والشاشات بانتظار تأهيلهم للمشاركة في الاحتفال. وفجأة، غاب الكلام عن الدين العام والعجز والضرائب وأسعار العقارات والاحتكارات... بات الجميع يواظب على حضور صفّ الاستظهار، ويحفظ عن ظهر قلب، الدروس عن أرباح المصارف المموّلة بالضرائب على الاستهلاك، والودائع، والموجودات غير الصافية بالعملات الأجنبية، والرساميل والتحويلات الوافدة المقدّرة بنحو 14 مليار دولار!
حسناً، يفضّل معظم اللبنانيين الاعتقاد بأنّ «نموذجهم» أثبت صلاحيته، أو بالأحرى مناعته؛ فهذا أسهل من الاعتقاد بأنّ ما يعتبرونه نجاحاً باهراً هنا، هو في الواقع مصدر قلق كبير تترتّب على مواجهته أعباء وتضحيات وتنازلات. ولا شك في أنّ مصلحة الطبقة السياسية، وهي على أبواب الانتخابات، أن تختار الأسهل، أي أن تختار المحافظة على هذا النموذج وتأمين شروطه، وأبرزها ثلاثة: ـــــ الاستمرار في تغييب مشروع بناء الدولة واستبداله بتنظيمات دون مرتبتها تؤمن عملية إعادة التوزيع المحلية. ـــــ الاستمرار في تشجيع الهجرة بديلاً من النمو في الاقتصاد الحقيقي. ـــــ والاستمرار في ضمان أعلى ربحية ممكنة للمصارف، لكي تستمر في أداء وظيفتها المشوّهة في تأمين القدرة الدائمة على تمويل الدين العام وزيادته.
انطلاقاً من ذلك، لا يبدو مجلس الوزراء مضطراً لأي نقاش يتّصل بسبل التصدّي لتداعيات أزمة يصرّ اللبنانيون على أنهم غير معنيين بها. وفي المقابل، فإنّ المشكلة التي يظهّرها الخلاف في شأن مجلس الجنوب، تكمن في أنّ بعض الطبقة السياسية يريد أن يتصرّف بوصفه منظّم الاحتفال بانتصار النموذج، ولكنه لا يريد دعوة الجميع إلى المشاركة فيه!