صريفا – آمال خليلتضرب الحاجة أم بديع سعيد كفاً بكف كلما تذكرت قرار إدارة الريجي الذي يلزم المزارعين فتح حسابات مصرفية يحوّل إليه ثمن محصول التبغ لهذا الموسم.
ورغم أن الريجي قد برّرت قرارها بتسهيل أمور المزارعين، إلا أن القرار لا يؤدّي غايته: فبعدما كانت تسدّد لهم ثمن محاصيلهم شيكات لا تُصرف قبل أسبوعين أو ثلاثة، تقضي الآلية المستحدثة بأن يراجع المزارع المصرف الذي أودع فيه حسابه بعد شهر أو أكثر من التسليم، ليقبض أمواله.
«كنا نتمنى تنظيم أمور أكثر أولوية بالنسبة إلينا، مثل دعم زراعة التبغ، خصوصاً بعد الارتفاع الجنوني الذي طرأ على أسعار المبيدات ومياه الري والشتول، فيما بقي سعر كيلوغرام التبغ على حاله»، تقول مزارعة التبغ. فالمعدل الوسطي الذي اعتمدته وزارة المال لسعر الكيلوغرام هذا الموسم قد انخفض عن المواسم السابقة ليسجّل 10 آلاف ليرة بعدما كان يسجل 11500 ليرة.
لم تعتد أم بديع، والعشرات سواها، القيام بأي عمل خارج حدود بلدتهن، «فكيف لنا أن نذهب إلى المصرف لنفتح حساباً باسمنا، بل من أين لنا المال اللازم لذلك، ونحن نقضي السنة بالاستدانة ثم نسدّد ديوننا في شهر واحد بعد تسليم المحصول لنبدأ موسم دين جديداً؟».
تروي أم بديع أن قصتها مع التبغ تشبه قصص الكثيرات ممن نشأن بين حقوله ولم يمتهنّ سواه «قبل أن تبدأ الحكومة تدريجاً بالقضاء على هذا القطاع وعلينا من خلال رفع الدعم عنه وخفض أسعاره وحرماننا من الضمان الاجتماعي، وصولاً إلى تجاهل صرف تعويضات عدوان تموز حتى الآن». ورغم أن أم بديع قد اشترت رخصة باسمها لزراعة التبغ منذ 30 عاماً بمبلغ 9 آلاف ليرة، استدانت جزءاً منها وأمّنت الباقي مما جنته وأولادها الأيتام من عملهم أجراءََ لدى أصحاب حقول التبغ في البلدة، إلا أن تكاليف الزراعة لا تزال ترهقها، «750 ألف ليرة سنوياً لصاحب الأرض، بالإضافة إلى نصف المبلغ الذي أتقاضاه من الريجي على 400 كيلوغرام لا تقبل بشراء أكثر منها بحسب القانون، بينما أتدبّر بمفردي بيع ما يبقى حين ينتج موسمي 1500 كيلوغرام».
من جهته، يسجّل المزارع عباس عبد الحسين، من بلدة المجادل، مخاوفه من ضياع اسمه بين أسماء الآلاف ممن يسلمون محاصيلهم في المراكز الستة المعتمدة في الجنوب بين شهري كانون الأول من العام الفائت وآذار من هذا العام، لافتاً إلى أن «المزارع كان يحصل في السابق، لدى تسليمه المحصول، على ورقة رسمية تثبت ذلك، وتحدّد موعد تسلّمه الشيك ليصرفه، بينما أصبح الآن يسلّم محصوله ويعود صفر اليدين من دون أي إثبات بأنه سلّم جنى السنة».