حدّدت السلطة الفلسطينية المواقع الأثرية المكتشفة والموثّقة في منطقة قطاع غزة بأكثر من عشرين. وتم التأكد من أنها لم تُصب بأضرار مباشرة خلال الحرب الأخيرة. من المؤكد أن تلك المواقع لا تمثّل إلا الجزء البسيط من تاريخ تلك المنطقة الواقعة بين آسيا وأفريقيا، والتي حوَّلها موقعها الجغرافي الاستراتيجي إلى مركز صراع وحروب، وفي الوقت عينه إلى أرض تجارية. ففي الألف الثالث قبل الميلاد، بنى الإنسان أولى مدنه في المناطق المجاورة لغزة، في تل العجول مثلاً، الذي كانت تُنقّب فيه بعثة سويدية ـــــ فلسطينية مشتركة، كشفت عن توسّع التجارة بين غزة ومدن البحر المتوسط في تلك الفترة. وفي سنة 1999، خلال أعمال بناء مجمع سكني، تمّ الكشف عن موقع أثري يوازي أهمية تل العجول، ويكمّله تاريخياً، إنه موقع تل السقان. مدن عاشت وازدهرت وتعايشت مع واقع مناخي صعب وهو الرمال. فرياح غزة تهبّ طيلة النهار، محمّلة برمال البحر. رمال تفرش الأرض وتغطّي الآثار المتروكة، فتصبح المدن دفينة الكثبان. لذا، فإن المواقع الأثرية في غزة مغطّاة كلها بالرمال.
وقد حاول سكان فلسطين في الفترة البيزنطية إيجاد حل لهذا الواقع البيئي، فزرعوا الكروم حول بيوتهم وقراهم، ما وفّر لهم الاستمرار، فبنوا جباليا ورفح ودير البلح وخان يونس. أسماء قرى كلما أتت وسائل الإعلام على ذكرها خطرت في البال فكرة عن قتل وتدمير وحزن وصراخ. لكنّ هذا الواقع الأليم لا يلغي أبداً تاريخ تلك المدن القديمة العهد. فتلك المناطق تأسست في العصر الروماني وبقيت ونمت في الفترة البيزنطية، وتحوي أرضها مئات المواقع الأثرية، من كنائس ومناطق سكنية وحمّامات. مدن عاش فيها آلاف الأشخاص وتركوا في أرضها آثاراً تخبر عن حياتهم. ففي جباليا مثلاً، عُثر على أرضية من الفسيفساء ضخمة رائعة الجمال، نُقشت عليها، بتقنية ثلاثية الأبعاد، صور لحيوانات تتصارع. ولأن القطعة من روائع التحف الأثرية في القطاع، رفعت عن أرضية الكنيسة ورمّمت في مختبرات متخصصة في فرنسا. ولكن بعد إعادتها إلى مكانها، تضرّرت سنة 2005 خلال عملية عسكرية إسرائيلية. فالدبابات دخلت الموقع وتمركزت على أرضية الفسيفساء.